ليبيا: عقوبات تصل إلي الإعدام ضد حرية التعبير وتكوين الجمعيات

تعد المواد  206 و207 و208 قمعية وغير دستورية و تفتقد المشروعية في التطبيق، حيث تخالف الاتفاقيات الدولية الأعلي منها درجة، وفقاً لحكم المحكمة العليا الليبية رقم 1/57 ق الصادر في 23 ديسمبر 2013.

عدل قانون ٨٠ الصادر في ١٩٧٥ المواد الثلاث في حقبة حكم القذافي، للتنكيل بكل من يعارض النظام الحاكم من خلال الممارسة السلمية لحرية التعبير وتكوين الجمعيات، بعقوبات تصل الي الإعدام. كما تتعارض هذه المواد مع الدستور الليبي حيث ضمنت المادة  14 حرية التعبير، وتكوين الجمعيات في المادة 15، ومبدأ المشروعية الجنائية في المادة 31. يتعين أن تكون نصوص التجريم واضحة وغير فضفاضة لتناسب مبدأ لا عقوبة ولا جريمة دون نص قانوني،  وأيضاً للمبدأ الراسخ لدي المحكمة العليا في ليبيا والذي أكدته في الحكم رقم 1/57 الصادر في قضية أبو سليم في 23 ديسمبر 2013، حيث نصت علي سمو الاتفاقيات الدولية المصدق عليها من الدولة الليبية. تتعارض هذه القوانين بشكل صارخ في كل من المادة 15 بخصوص مبدأ المشروعية الجنائية، والمادة 19 التي تضمن حرية التعبير، و المادة 22 التي تخص حماية حرية التعبير.

لهذا تطالب جمعية عدالة للجميع:

  • أعضاء النيابة والقضاة والسلطة التنفيذية بالالتزام بتطبيق مبادئ المحكمة العليا فيما يخص مبدأ السمو حسب الحكم رقم 1/57 الصادر في قضية أبو سليم في 23 ديسمبر 2013، وبالامتناع عن تطبيق المواد الثلاثة لحين البت في مدي دستورية ومشروعية المواد الثلاث من الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا.

  • توصية لأي صاحب مصلحة أو شخص مادي أو معنوي تحاول السلطات تطبيق عليه أي من المواد الثلاثة، ويتعين عليه الطعن بعدم الدستورية أمام المحكمة وطلب من القاضي أن يطبق عليه ضمانات الإعلان الدستوري والعهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية بشكل مباشر في ليبيا.

تمثل استمرارية المواد  206 و207 و208 من قانون العقوبات الليبي، الإطار التشريعي الذي استخدمه نظام القذافي للقضاء علي الحريات الأساسية و تكميم الأفواه. تقرر المادة 206 حكم الإعدام لكل من دعا إلى إقامة أي تجمع أو تنظيم أو تشكيل محظور قانوناً أو قام بتأسيسه أو تنظيمه أو إدراته أو تمويله أو أعد مكاناً لاجتماعاته، وكل من أنضم إليه أو حرض على ذلك بأية وسيلة كانت، أو قدم أية مساعدة له، وكذلك كل من تسلم أو حصل مباشرة أو بطريق غير مباشر بأية وسيلة على نقود أو منافع من أي نوع أو من أي شخص أو من أية جهة بقصد إقامة التجمع أو التنظيم أو التشكيل المحظور أو التمهيد لإقامته، ويتساوى في العقوبة الرئيس والمرؤوس مهما دنت درجته في التجمع أو التنظيم أو التشكيل أو ما شابه ذلك، سواء كان مقر هذا التجمع في داخل أو خارج البلاد.

تشترك المواد الثلاثة شكلاً بصياغة تعتمد على عبارات فضفاضة وغير دقيقة رغم خطورة العقوبات وشدتها، ولا ترجع إلى إهمال واضع النص بقدر ما ترجع الى حرصه لتوظيف تلك النصوص في توسيع دائرة التجريم الى درجة تمس مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات وقرينة العلم بالقانون فضلا عن عدم تلاؤم جميع الأفعال المجرمة مع العقوبات المقررة سواء الإعدام أو المؤبد أو حتى الحبس بالنسبة لجرائم المادة 208. تجرم تلك النصوص بالجملة وتقرر العقوبات القصوى دون أي اعتداد بملابسات الجريمة ومدى خطورة مساهمة كل فاعل في تحقيق المشروع الإجرامي، بما يشجع من قام في الأصل بأعمال يمكن اعتبارها تحضيرية إلى مواصلة المساهمة في المشروع الإجرامي وتجاوز الطور التحضيري وإحداث أكثر ضرر ممكن بالمجتمع والدولة طالما أن العقاب هو نفسه في كل الحالات دون اعتبار لمبدأ تدرج العقوبات بحسب خطورة الأفعال. علماً وأن التشريعات الحديثة تجاوزت مبدأ التدرج إلى حد التخفيف وأحياناً ضمان العفو لمن يعدل عن المشروع الإجرامي أو يتعاون مع السلط القضائية لمنع تنفيذ مشاريع إجرامية.

تقرر المادة 207 الإعدام لكل من روج في البلاد بأية طريقة من الطرق نظريات أو مبادئ ترمي لتغيير مبادئ الدستور الأساسية أو النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية أو لقلب نظم الدولة السياسية والاجتماعية والاقتصادية أو لهدم أي نظام من النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية باستعمال العنف والإرهاب أو أية وسيلة أخرى غير مشروعة. يعاقب بالسجن المؤبد كل من حاز كتب، أو منشورات، أو رسومات أو شعارات أو أي أشياء أخرى بقصد تحبيذ الأفعال المذكورة، أو حبذها بأية طريقة أخرى. كما يعاقب بالسجن المؤبد كل من تسلم أو حصل مباشرة أو بالوساطة بأية طريقة كانت نقداً أو منافع من أي نوع ومن أي شخص أو أية جهة كانت داخل البلاد أو خارجها في سبيل الترويج لما نصت عليه هذه المادة.

تنص المادة 208 على "يعاقب بالحبس كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار في البلاد دون ترخيص من الحكومة أو بترخيص صدر بناء عن بيانات كاذبة أو ناقصة، جمعيات أو هيئات أو أنظمة ذات صفة دولية غير سياسية أو فرعاً لها.  يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وبغرامة لا تزيد على مائتي دينار لكل من انضم إلى الجمعيات أو الهيئات أو الأنظمة المذكورة وكذلك كل ليبي مقيم في البلاد انضم أو اشترك بأية صورة دون ترخيص من الحكومة في أي من الأنظمة المذكورة وكان مقرها في الخارج."

لا يمكن بقاء تلك المواد ظل تعارضها مع ما جاء بالدستور والاتفاقيات الدولية المصادق عليها، خاصة العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، والخروقات التي قد تنتج عن مواصلة اعتمادها كالمس بمبادئ المحاكمة العادلة المكرسة بالمادة 31 من الدستور أو الحق في حرية الرأي والتعبير والصحافة والطباعة والنشر والتظاهر السلمي حسب المادة 14 من الإعلان الدستوري، والحق في حرية تكوين الأحزاب والجمعيات حسب المادة 15 من الإعلان الدستوري. كما تخرق مبادئ ديمقراطية الدولة المكرسة بالمواد 1 و4 و7 من الإعلان والحق في الحياة الذي يوجب اعتبار الإعدام عقوبة استثنائية  لأشد الجرائم خطورة. كما اقتضت تلك المادة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وتجعل من تلك المواد نصوصاً من زمن سحيق لا مكان لها  في احترم مبدأ علوية القاعدة الدستورية وما جاء بالمادة 35 من الإعلان من إلغاء النصوص المخالفة له.

تجدر الإشارة إلى أن الرجوع إلى الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من الدولة الليبية على غرار العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية أو الميثاق الأفريقي لحقوق الانسان ليس من قبيل الترف القانوني أو الاستشهاد بالقانون المقارن أو القانون الدولي لاستلهام مبادئ عامة. أصبحت تلك النصوص الدولية بمجرد التصديق عليها نصوص تنتمي إلى المنظومة القانونية الليبية وهي ملزمة للدولة بسلطها الثلاث تشريعية أو تنفيذية أو قضائية. كما صدرت أحكام تقر صراحة بعلوية الاتفاقيات الدولية المصادق عليها على التشريع العادي وهو ما يتوافق مع صريح المادة 7 من الإعلان الدستوري لسنة 2011 في خصوص حقوق الإنسان وكذلك مع التزامات الدولة الليبية المضمنة بتلك الصكوك الدولية بإنفراد كل منها وبالقاعدة العامة في مادة الاتفاقيات الدولية الوارد باتفاقية فيينا التي تعتبر النص العام المنظم للاتفاقيات الدولية وهو تجاهل السلط التشريعية أو التنفيذية وأحيانا حتى القضائية لا يوهن في شيء بعلوية الاتفاقيات الدولية على التشريع العادي وهو ما تضمنه القواعد الدستورية وما يفسر موقف المحكمة العليا لدى النظر في طعون عدم الدستورية وتذكيرها بوجوب احترام تلك الاتفاقيات.

من ضمن مظاهر إلزامية القاعدة القانونية الجانب الجزائي، أي أن القاعدة القانونية بما هي تنظيم لسلوك الفرد والمجموعات بما يتوافق مع النظام العام بمختلف مفاهيمه وحماية المجتمع، حيث يلجأ المشرع لضمان عدم خرقها بتجريم ذلك الخرق وإقرار عقوبة له حسب أهمية الضرر المتقى والخطورة على المجتمع والأفراد وهو مجال القانون الجزائي.

يتأثر التجريم والعقاب بقواعد السلوك المجتمعي ومنظومة قيمه المقبولة وكذلك بطبيعة النظام الدستوري والسياسي القائم في كل دولة وفي كل حقبة من الزمن. ظهر القانون الوضعي في الدول العربية مع ظهور الدولة الحديثة أو ما تعرف بالدولة الوطنية عموماً في القرن العشرين ولم تكن أغلب تلك الدول دولاً ديمقراطية وافتقدت إلى مبادئ دولة القانون والمؤسسات مما أدى إلى توظيف القانون الوضعي بما في ذلك القانون الجزائي لصالح النظام الحاكم، لا الدولة والمجتمع وأصبح من غايات القانون الجزائي الحفاظ على منظومة الحكم القائمة والأيديولوجية المؤسسة لها وثقافتها الترويجية أو المرجعية. عليه من المنطقي والطبيعي أن لا تحترم تلك القوانين حقوق الإنسان وعملت على تكريس خرقها وضمان الإفلات من العقاب فضلاً عن استحالة اأانتقال السلمي للسلطة وصورية الدساتير وسيادة الشعب.

لم تخرج الدولة الليبية سواء مع الملكية أو مع نظام الجماهيرية خاصة عن تلك المسارات التي أدى تراكم خروقاتها وعيوبها إلى قيام ثورة ترجمت توقاً من الشعب الليبي إلى الإصلاح وتأسيس دولة قانون ومؤسسات ديمقراطية و رغم صعوبة المسعى وتفاقم الإشكاليات الأمنية والسياسية، صدر الإعلان الدستوري لسنة 2011 معلناً تلك الولادة القيصرية للثورة الليبية ومؤكداً على المشروع الثوري لإقامة دولة ليبية تحترم حقوق الإنسان وتقطع مع موروث قانوني تهمين فيه السلطة التنفيذية أو بالأحرى القائمين عليها في المشهد السياسي والقانوني والحقوقي.

تجاوز الإعلان الدستوري لسنة 2011 الأثر الإعلاني في نصه أو في توطئته ليتبنى صراحة النهج الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان كخطوة أولى قبل اعتماد دستور دائم للبلاد يبلور النقلة النوعية في هندسة السلط وتفاعلها بما يكرس سيادة الشعب واحترام حقوقه، بل كان أكثر واقعية في أحكامه الختامية لما نص على أن النصوص المعارضة لما جاء به لا يتواصل العمل بها وعلى السلطة التشريعية إتخاذ ما يلزم لتلائم النصوص مع القواعد الدستورية.

تناغمت السلطة التشريعية مع الإعلان الدستوري نصاً وروحاً بإصدار قانون العدالة الانتقالية الذي صرح ببطلان النصوص المخالفة لحقوق الإنسان وبإصدار قانون الأحزاب الذي اعتمد مبدأ التصريح لا الترخيص في تأسيس الأحزاب. لم يكن الجهد التشريعي في ذلك الاتجاه بالانتظام والشمولية اللازمتين ومقابل ذلك عملت الحكومات والإدارات وحتى النيابة العمومية ومحاكم الأصل إلى إعادة إحياء نصوص لا علاقة لها بالإعلان الدستوري ودولة القانون المنشودة أي التراث القانوني للدكتاتورية، خاصة تلك النصوص التي سنت لقمع حقوق الإنسان وتكريس هيمنة نظام القمع. بصرف النظر عما إذا كان ذلك أسهل الطرق بالنسبة لهم فأن ذلك السلوك يعكس تراجعاً خطيراً في منسوب إرادة الإصلاح والإرادة السياسية لاحترام علوية الدستور.

Previous
Previous

المادة 178 من قانون العقوبات الليبي: الترسانة القانونية القمعية لعهد القذافي مازالت مستمرة

Next
Next

ليبيا : ممارسة الحقوق الدستورية في ظل قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية