ليبيا : ممارسة الحقوق الدستورية في ظل قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية

حقوق افتراضية ام افتراض حقوق

في 2022 أصدر مجلس النواب الليبي قانوناً رقم 05 لمكافحة الجرائم الإلكترونية في محاولة تشريعية لمواكبة الواقع الاجتماعي والرقمي وتأطير العالم الافتراضي والإلكتروني بغاية الحد من وقوع الجرائم الإلكترونية، حسب مادته الثانية. مما يؤدي للمساعدة على تحقيق العدالة والأمن المعلوماتي وحماية النظام العام والآداب العامة وحماية الاقتصاد الوطني وحفظ الحقوق المترتبة على الاستخدام المشروع لوسائل التقنية الحديثة وتعزيز الثقة العامة في صحة وسلامة المعلومات الإلكترونية.يمكن الاستنتاج أن القانون رقم 05 لسنة 2022 جاء واقعياً وصريحاً في تحديد أهدافه. تتأتى الواقعية من استعمال مصطلح الحد من وقوع الجرائم الإلكترونية ولم ينص بالمادة الثانية أن القانون يهدف الى القضاء على الجرائم الإلكترونية، لوعي واضعي النص بصعوبة إن لم نقل استحالة ذلك لمحدودية نطاق النص في النهاية، خاصة وأنه قانون جزائي على عكس طبيعة تلك الجرائم أو ما يمكن أن تأخذه من أشكال غير محدودة، خاصة مع التقدم العلمي والتقني المهول والسريع. مما يطرح تحديات جديدة وحاجات الى التقنين على المشرعين في العالم بشكل سنوي تقريباً، ويتأكد وعي واضعي النص بتلك الطبيعة المتغيرة والمعقدة والسريعة للمادة من خلال استعمال مصطلح المساعدة على تحقيق العدالة والأمن المعلوماتي كذلك وإن كان مصطلح المساعدة يوحي بوجود نصوص أخرى تؤطر المادة، ولكن يبدو أنها لازالت لم تصل حتى مراحل المشاريع.على أن تلك الواقعية والصراحة التي أثرناها كخاصية للنص وخاصة مادته الثانية لا تقف على نص به، بل أن صفة الصراحة تجلت بامتياز على ما لم تنص عليه المادة الثانية أي وهو احترام الحقوق الدستورية من خلال تنظيم الجرائم الإلكترونية وخاصة ما تعلق منها بحقوق الإنسان المحمية بالدستور ولكن كذلك خصائص الدولة المدنية الديمقراطية التي ينشدها الإعلان الدستوري لسنة 2011 وهو ما انعكس على النص كما سيقع بيانه ضمن هذا المقال إذ غاب اعتبار الحقوق الدستورية تماما عن صياغة ومحتوى النص.قد تبدو فكرة غياب اعتبار الحقوق الدستورية غريبة بعض الشيء لاعتبارين أولهما أنه من البديهي أن يحترم أي نص قانوني تشريعي المقتضيات الدستورية وماجاء فيها، بل وكذلك الاتفاقيات الدولية المصادق عليها بما هي نصوص أصبحت أكثر من التزامات للدولة، بل كذلك جزء من التشريع الوطني بالمصادقة عليها. من النافل التذكير أن الدستور هو أعلى النصوص القانونية مرتبة تليه المعاهدات الدولية المصادق عليها، فيما يعرف بهرمية النصوص القانونية التي تجعل من احترام النص الأدنى للنص الأعلى مبدأً عاماً لا يحتاج الى أي تنصيص، ولما كان الدستور أعلى القواعد القانونية مرتبة فمن البديهي أن يحترم نص القانون نص الدستور وهو ما يفسر وجود واختصاص المحكمة العليا للمراقبة الدستورية.الاعتبار الثاني هو حداثة النص فالقانون رقم 05 لسنة 2022 أُصدر بتاريخ  نوفمبر 2022 أي بعد 11 سنة من صدور الإعلان الدستوري لسنة 2011، وليس من قبيل النصوص القديمة التي ترجع لما قبل الثورة الليبية، والتي اعتبرت المادة 35 من الإعلان أنها لاغية ولا عمل بها لمخالفتها صريح الإعلان في انتظار تعديلها أو إلغائها أو سن قوانين جديدة تتلاءم مع ما جاء به. وإن كانت ظاهرة الرجوع الى نصوص ما قبل 2011 لافتة للنظر لدى الإدارات والحكومات الليبية في السنوات الأخيرة، وقد يكون هذا القانون قرينة على انخراط مجلس النواب في تلك الظاهرة التي يمكن تسميتها بالردة عن الثورة وتطلعات الشعب الليبي منها.إن خاصية الجرائم الإلكترونية من حيث شكل الأفعال وطبيعتها اللامادية والرقمية لا يتستثنيها من احترام الحقوق الدستورية. ذلك أن الفضاء الرقمي بما هو فضاء عام يمكن التمتع فيه بحقوق الإنسان المحمية دستورياً، ويجب أن يأخذ تنظيمه بعين الاعتبار تلك الحقوق والحريات، ولا يجب كما هو الأمر في العالم المادي العادي أن يكون التشريع مناسبة للنيل من تلك الحقوق والمقتضيات الدستورية سواء في الأوقات العادية أو الاستثنائية كظرف الانتخابات التي تتهيأ ليبيا لإجرائها والتي تقتضي ضمان احترام حظوظ الجميع وحقوقهم على وجه المساواة وبطريقة ناجعة وإلا أفرغت تلك الانتخابات من أي معنى للنزاهة والشفافية، بما قد يكون له أثار كارثية تهدد كيان الدولة بأسره، قبل تهديد الحقوق والحريات الدستورية الفردية بحيث لا يمكن لمختلف الفاعلين الخطأ.تجاهل القانون رقم 05 لسنة 2022 بشأن مكافحة الجرائم الإلكترونية، لمبادئ وحقوق دستورية تجلى على مستوى الشكل والمضمون وهو ما يحاول هذا المقال تسليط الضوء عليه.

1/ الشكل والإجراءات

قبل التعرض لمظاهر خرق القانون للإعلان الدستوري من جهة الشكل والإجراءات، نتجه لبيان مقتضيات الدستور التي لم يحترمها القانون:أكد الإعلان الدستوري لسنة 2011 في صلب مواده الأولى وكذلك الرابعة والسابعة، على كون الدولة الليبية دولة مدنية ديمقراطية.المدنية والديمقراطية لا يمكن اختزالها في إجراءات شكلية على غرار إجراء انتخابات أو مبادئ تفرقة وتوازن السلطات، بل تتعدى ذلك إلى احترام فلسفتها بكون الشعب هو صاحب السلطة ويمارسها من خلال ممثليه المنتخبين، بل أن مساهمة الفرد في الشؤون العامة لبلده وهو حق من حقوق الإنسان نصت عليه كل من العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية للأمم المتحدة والميثاق الافريقي لحقوق الإنسان، وكلاهما مصادق عليهما من الدولة الليبية. كما يتعدى حق المشاركة في الانتخابات إلى حق الاطلاع والمساهمة في الحوار المجتمعي والمشاركة في المسائل التي تهم المصلحة العامة والتشريع وذلك بصفة ما قبليه حتى يتبلور الموقف الشعبي والرأي العام الوطني من تلك المسائل بعد العرض ومحاولات الإقناع والنقاض وإبراز المحاسن والمساوئ ومحاولة إيجاد موقف وسطي ينخرط فيه أغلب الطيف الشعبي والسياسي، خاصة في مسائل على علاقة وثيقة بالحقوق والحريات الدستورية. مع إضافة قيمة الخبراء التقنيين وما يؤطرون به ذلك الحوار المجتمعي من جهة فنية وعلمية بما في ذلك التجارب المقارنة والقانون المقارن حتى يضمن فاعلية قصوى للقانون ووضوح في الاختيارات وعلها تساهم في صورة تبين إشكال لاحق لصدور القانون وتعديله بما يحترم الأفكار الرئيسية في تشريعه.بالرجوع إلى القانون رقم 05 لسنة 2022 وملابسات إصداره، نجد أنه صُوت على هذا القانون بسرعة فائقة إذ تم اعتماد مشروع القانون المقترح بعد يوم واحد فقط من طرحه في أجندة المجلس، ودون التشاور مع المجتمع المدني الليبي، سواء جمعيات أو منظمات أو نشطاء في المجال الرقمي أو المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان أو خبراء في المجال.وحيث أن الحيز الزمني الذي أتيح من تضمين المشروع بأجندة المجلس إلى التصويت يستحيل معه قيام حوار مجتمعي منهجي حول ذلك المشروع، بل نظراً لطوله وتعدد مجالات تدخله، يستحيل حتى على خبير قانوني في المجال إبداء رأيه في مشروع النص في يوم واحد، ناهيكم عن أعضاء مجلس النواب الذي لا يتقنون المسألة بالضرورة فنياً وقانونياً.وحيث يكون الزمن المخصص بمناقشة مشروع النص حتى داخل النص دليلاً على عدم احترام مبدأ الحوار داخل المجلس وخارجه بما يعيب القانون المذكور لجهة احترام مبادئ الديمقراطية خاصة بالنظر الى أهمية المادة المقننة.أثرت تلك السرعة الفائقة حتى على صياغة النص نفسه، حيث نجد أن القانون يعرف مصطلحات في مادته الأولى، ولا يتعرض لها في بقية المواد، على غرار الفيروسات الحاسوبية أو الدليل الجنائي الرقمي أو الهوية الرقمية.من المنطقي أن تتعارض تلك السرعة مع أهمية النص وتأثيره على حقوق الإنسان وكذلك مع الأهمية التاريخية التي تكتسيها مسألة الحريات والحقوق في المجال الرقمي اللامادي وأهمية تلك الوسائط ووسائل التواصل في الثورة الليبية والتي دل على أهميتها ومحورتيها في الإعلان الدستوري الليبي من توطئته، ويذكر أن الثورة الليبية هي التي سمحت بسن الإعلان الدستوري.أما من جهة الشكل تميز القانون رقم 05 لسنة 2022 بعدم دقة صياغته رغم ما تفترضه صياغته من دقة فنية سواء لجهة خصوصيات العالم الرقمي أو الخصوصيات القانونية لنص جزائي خاص. إذ وردت عبارات وعدة مصطلحات فضفاضة وغير دقيقة بما يجعله وعاء واسع للتجريم بما يتعارض مع مبادئ التقنين في المادة الجزائية وما يترتب عن ذلك من خروقات منهجية للحقوق والحريات الدستورية وإلغاء لضماناتها، فعبارات من قبيل، "مفاهيم النظام العام و الآداب العامة والإساءة إلى الآخرين أو الأضرار بهم " (المادة 4)، أو "النعرات أو الأفكار التي من شأنها زعزعة أمن المجتمع واستقراره أو المساس بسلمه الاجتماعي" (المادة 7)، أو "مخلة بالآداب العامة" (المادة 8)، أو "إشباع الرغبة الجنسية" (المادة 22)، أو "كان بإمكانه تبليغ الجهات المختصة" (المادة 35)، أو " نشر بيانات أو معلومات تهدد الأمن والسلامة العامة في الدولة أو أي دولة أخرى" (المادة 37)، أو " من أساء إلى أحد المقدسات أو الشعائر الدينية" (المادة 42).هي كلها مفاهيم مطاطية فضفاضة لا تسمح بتحديد الأركان المادية التي تجرمها تلك المواد بما يمس حتى من مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات. حيث أنه من حق أي إنسان أن يعلم الأفعال المجرمة بمقتضى نص سابق لإرتكاب الفعل المجرم وضبابية مصطلحات النص خاصة فيما يتعلق بتحديد أركان الجريمة، لا يسمح بذلك. والأخطر أنه يفتح الباب لمصراعيه لإنتهاكات منهجية لحقوق الإنسان إذ يصبح الأفراد رهائن المعاني المختلفة التي قد يعطيها أعوان إنفاذ القانون والنيابة العامة والاجتهادات القضائية التي غالباً ما تكون مختلفة حد التضارب بما يمس حتى يمبدأ المساواة في تطبيق القانون.من المفيد الإشارة إلى انتباه اللجنة المعنية بحقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة إلى خطورة تلك الألفاظ غير الدقيقة التي أصبحت بمثابة  التقنيات التشريعية لقمع حقوق الإنسان. حيث ورد في تعليقها العام عدد 34 على المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية سنة 2011 (الدورة 102) في الفقرة 25 تحديداً: "..يجب أن تصاغ القاعدة القانونية التي ستعتبر بمثابة قانون بدقة كافية لكي يتسنى للفرد ضبط سلوكه وفقا لها".

2/ المضمون

لم يكن مضمون القانون رقم 05 لسنة 2022 أكثر حرصاً على المقتضيات الدستورية من شكله، حيث هيمن الهاجس الأمني على واضعي النص بما جعل مضمون النص لا يحترم مقتضيات المبادئ الدستورية وحقوق الإنسان ولا يوفر ضمانات لها، على غرار تعدد الجرائم الشكلية وتهديد الحياة الخاصة والحق في حرية الرأي والتعبير والصحافة واحترام استقلالية القضاء وحق اللجوء إليه.أغلب الجرائم التي وردت في القانون المذكور هي  الجرائم الخطئية أي أن الفعل أو الأفعال المجرمة يكفي وقوعها لقيام الجريمة دون الوقوف على إرادة صاحبها أو تعمده إتيان الفعل. وهي جرائم ذات طابع استثنائي عادة لأن المسؤولية الجزائية على خلاف المسؤولية المدنية أو حتى الإدارية لا تقوم مبدئياً إلا على الفعل الشخصي الإرادي أي أن تتجه إرادة الشخص الى إرتكاب الفعل المجرم وهو ما يتوافق مع مبدأ حسن النية المكرس بالمادة 31 من الإعلان الدستوري. الملاحظ أن عدد لا بأس به من الأفعال المجرمة بالقانون موضوع المقال يمكن أن تصدر عن الشخص دون أي قصد جنائي منه بل أحيانا بفعل برمجيات لا دخل لمستعمل لشبكات الإتصال مطلقاً في حدوثها إذ توجد برمجيات وخوارزميات لا يعلن عن وجودها ويكفي نقر أي رابط لغاية غير احداث تلك الآثار  الحتمية المجهولة ليجد الشخص نفسه ناشراً أو  مساهماً في نشر محتويات مجرمة أو مقتحماً لمجال بدون أي إذن وما الى ذلك من الأفعال المجرمة. وبالتالي يصبح الشخص الضحية مجرماً لمجرد وقوع أفعال لم تتجه لها إرادته كما هو الحال مع الفيروسات الحاسوبية مثلاً والتي تجاهلها القانون كسبب إعفاء لمن يقع ضحيتها رغم أنه يعرفها بالمادة 4.1.أما الحياة الخاصة وحرية المراسلات فقد جاء بالمادة 7 من القانون صلاحية مطلقة لهيئة أمن وسلامة المعلومات للإطلاع ومراقبة محتوى ما ينشر إلكترونياً أي أن القانون اعتبر كل الفضاء الالكتروني هو فضاء عام بالنسبة للهيئة ولم يستثني إلا المراسلات الخاصة التي أخضعها لإذن القاضي المختص دون بيان لإجراءات ذلك الإذن وشكله وتعليله أو إمكانية الطعن فيه بما يقلص جدياً من ضمانات حماية الحياة الخاصة والمراسلات التي حماها الإعلان الدستوري بل واعتبر الدولة ضامنة لتلك الحماية في مادته 7.إضافة إلى وسع صلاحيات الهيئة وضبابية إجراءات التظلم من قراراتها تمثل الصياغة الفضفاضة التي أشرنا لها في الفقرة الأولى عند تعرضنا للعيوب الشكلية للنص، تهديداً جدياً لكل حقوق الإنسان المضمونة دستورياً وخاصة الحق في حرية الرأي والتعبير والصحافة والنشر. يمكن أن نأخذ كمثال على ذلك صورة المدون أو الصحفي أو المرشح في الانتخابات الذي يسلط الضوء على حقائق أو إحصائيات أو ممارسات فساد مخالفة لما أعلن حكومياً أو حتى قضائياً، لكشف ما تم التعتيم عليه بغاية تمكين المواطنين من حقهم في الإطلاع والمساهمة في الحياة العامة. وهي حقوق تكرسها الإتفاقيات الدولية على غرار العهد الأممي للحقوق المدنية والسياسية، والميثاق الافريقي، فهل يمكن أن تعتبر هيئة أمن وسلامة المعلومات ذلك من قبيل الأفكار التي من شأنها زعزعة أمن المجتمع واستقراره أو المساس بسلمه الاجتماعي على معنى المادة 7 من القانون 05 لسنة 2022 وبالتالي تمارس صلاحيتها في حجب تلك المنشورات أو المواقع التي نشرت بها؟ أي ضمانات لكي لا تنتهك حقوق الإنسان بأسم ممارسة الهيئة ما لها من صلاحيات خاصة أن كانت تلك الممارسة غير متساوية بحسب الإنتماء السياسي أو الحزبي أو المصالح.يمكن أن نفترض وجود مرشحا في انتخابات ما، طرح مسألة واقع إنعدام تناول التربية الجنسية للأطفال والشبان في المدارس والمعاهد في ليبيا، ليعلل وضع نقطة في برنامجه لوضع سياسة بيداغوجية للدولة في المجال. هل يمكن أن يعتبر ذلك مخالفا للآداب العامة على معنى المادة 8 من القانون المذكور وحجب الموقع الذي يمارس به ذلك المرشح أو الحزب حملته الانتخابية؟ خاصة أن ذلك سيكون مناسبة للتوظيف السياسي للتقرب من الحساسيات السياسية المحافظة.الأمر بالمثل بالنسبة لعديد المصطلحات الأخرى كالتي وردت بالمادة 29، والتي تجرم توزيع أو نشر معلومات تثير النعرات العنصرية أو الطائفية أو المذهبية التي من شأنها التمييز بين أشخاص معينين. فهل أن مرشح الانتخابات يعرض واقعا صادما لتفاوت حقيقي في المجتمع الليبي، قد يقوم على معايير عنصرية أو طائفية أو مذهبية أو حتى جهوية، ليقترح ضمن برنامجه الانتخابي إجراءات من شأنها تعديل ذلك التفاوت أو التمييز أو تمثل تمييز إيجابي لأقلية يمكن اعتباره مرتكبا لجريمة؟كل تلك الأمثلة ليست وليدة الخيال القانوني بل وجدت في الواقع ، ومنها في 17 فبراير/شباط 2023، أعلنت وزارة الداخلية التابعة لحكومة الاستقرار الوطني في بنغازي، عن توقيف واحتجاز المغنية الشعبية أحلام اليمني والمدونة وصانعة المحتوى حنين العبدلي في بنغازي، بسبب "قضايا مُخلّة بالشرف والآداب العامة ولمُخالفتهما قانون الجرائم الإلكترونية رقم 05 لسنة 2022". لم يُقدم بيان الداخلية أي تفاصيل عن الاعتقال أو المحتوى المرفوض، وقالت الوزارة إنها ألقت القبض عليهما "لإساءتهما لمكانة المرأة الليبية العفيفة والكريمة في مجتمعنا المحافظ بأفعال وسلوكيات دخيلة علينا وتسيء لعاداتنا وتقاليدنا وديننا الحنيف". لم ترد أنباء أخرى عن وضعهما القضائي.في كل هذه الحالات وما شابهها، نجد أنفسنا رهائن لتكييف إنطباعي وفردي للهيئة أو لأعوان إنفاذ القانون أو النيابة العامة وهو ما تثبته التجارب المقارنة. أداة مناسبة لإنتهاك حقوق الإنسان وتصفية الحسابات مع السياسيين والحقوقيين، خاصة في ظرف انتخابي أي يكون حجب أو منع المنافس أو المنافسين هدفاً ووسيلة مغرية لتحقيق مصالح انتخابية خاصة والفوز في تلك الانتخابات يمثل ضماناً للإفلات من العقاب الذي حتى وأن تحقق سيكون متاخراً، وهو ما يكشف عيوباً دستورية أخرى في القانون 05 لسنة 2022.يمكن أن ننسب للقانون 05 لسنة 2022 انكار القضاء، فقد أعطى لهيئة الأمن وسلامة المعلومات صلاحيات شاسعة قضائية بطبيعتها، لأن مراقبة تحديد حقوق الإنسان هي مهمة لا يمكن أن توكل إلا للقضاء ولا يمكن للهيئة أن تجمع صلاحيات الإطلاع والمراقبة والإحالة والبت في المخالفات، بل وأخذ قرار عقابي في الآن ذاته. على غرار ما يسمح به القانون 05 لسنة 2022 لأن قرار الحجب في الأخير هو قرار لا يمكن أن يكون إلا قضائي لأن من يتخذ القرار لا يمكن أن يراقب نفسه بنفسه أو يكون ذلك ضامناً لحقوق المواطنين خاصة وأن الهيئة تركيبتها غير محايدة وأن تمتعت بالاستقلال المالي فهي تحت سلطة وإشراف وزارة الإتصالات والمعلوماتية التي لها صلاحية تعيين (وبالتالي عملا بمبدأ توازي الشكليات لها صلاحية عزل) رئيس وأعضاء الهيئة ومأموري الضبط القضائي، حسب المادة 51 من القانون 05 لسنة 2022.الأخطر من ذلك أن القانون المذكور أهمل تماماً تنظيم خصائص الإثبات والإجراءات بما يتوافق مع خصوصية تلك الجرائم اللامادية والرقمية ومتطلبات حق الدفاع والحق في محاكمة عادلة من محكمة مختصة في أجل معقول. مرشح الانتخابات الذي إتخذناه كمثال في فقرة سابقة سيحجب موقعه أو سيحال إلى القضاء حتى في حالة إيقاف بناء على تأويل تعسفي للهيئة أو للنيابة حتى تحصل في الأخر على قرار إداري بإلغاء قرار الحجب أو بعدم المؤاخذة الجزائية. لن يكون لذلك أي معنى لكون الانتخابات ستكون قذ أنتهت حينها وحقق المخالفون للقانون غرضهم بما يجعل من الإجراءات العادية إنتهاكا للحق وكان على واضعي قانون 05 لسنة 2022، وضع قواعد إجراءات وإثبات وآجال تتوافق مع نجاعة الحماية القانونية القضائية المقررة للحقوق الدستورية .            العنوان 1 الشكل والإجراءات فقرة 1 ذكر (نتجه ببيان) صوابه( نتجه لبيان)    العنوان الثاني فقرة أولى ذكر( حريص على المقتضيات الدستورية  ) وصوابه ( احرص على المقتضيات الدستورية)  نفس العنوان فقرة ثامنة ذكر (وجدت واقع) صوابه ( وجدت واقعا ) تصحيح: وجدت في الواقع

Previous
Previous

ليبيا: عقوبات تصل إلي الإعدام ضد حرية التعبير وتكوين الجمعيات

Next
Next

ليبيا : اي معنى لحرية الصحافة والتعبير في ظل القانون رقم 76 لسنة 1972؟