قراءة في مشروع الدستور الليبي: اللامركزية ومتطلبات الحكم المحلي

عانت الإدارة المحلية في ليبيا مطولاً من آثار المركزية التي مارسها النظام السابق في إدارة الدولة (1969-2011)، وكانت سبباً رئيسيا ًفي زيادة النقمة عليه، ورافد من روافد التعبئة لسقوطه في فبراير2011. فلقد احتكرت السلطة المركزية مطولاً عملية اتخاذ القرارات، مما أدى إلى سوء توزيع الخدمات وتجذر التفاوت التنموي بين المدن والمناطق الليبية بشكل ملحوظ.جاء التحول السياسي في فبراير 2011، لتزداد معه المطالبات بضرورة تطبيق اللامركزية، وإعادة توزيع السلطة والموارد بين مختلف مستويات الحكم، كرد فعل على الغبن الناتج عن غياب العدالة في توزيع الموارد والقيم السياسية طيلة العقود الماضية. وبموجب ذلك سُن القانون (59) لسنة  2012لنظام الإدارة المحلية للحد من مختنقات المركزية في ليبيا، ولكن سرعان ما اتضح عجزه عن تنظيم العلاقة بين السلطة المركزية والهيئات المحلية، خاصة بعد تجميد العمل بالمحافظات الذي تم وفقاً للتعديل رقم (9) لسنة 2012. حاولت الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور التي تم انتخابها وفقاً للقانون رقم (17) لعام 2013، تدارك هذا القصور في مشروعها،[1] وذلك بعد محاولات عديدة لصياغة باب (الحكم المحلي)؛ الذي خرج في البدء تحت مسمى مخرجات اللجان النوعية (ديسمبر2015)، وعكست تخبط لجنة الحكم المحلي، وعدم اتفاقها على نظام واحد يؤسس لسلطة محلية واضحة التقسيم والاختصاصات. إثر ذلك، تم تنظيم باب الحكم المحلي في مشروع أكثر تماسكاً من سابقه، وجاءت المحاولة الثالثة التي عرفت بمسودة "لجنة التوافق"، لحقت بها بعض التغيرات قبل أن يتم اعتماد الهيئة لمشروعها بشكل نهائي في يوليو2017 [2]. شروط استقلالية  يعرف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الحكم المحلي  بـ" مجموعة من المؤسسات، والآليات والعمليات التي تسمح لمواطنيها ومجموعاتهم، تبيان مصالحهم واحتياجاتهم، وتسوية اختلافاتهم، وممارسة حقوقهم وواجباتهم على المستوى المحلي. ويتطلّب ذلك، شراكة بين كلّ مؤسسات الحكم المحلي، ومنظمات المجتمع المدني، والقطاع الخاص بغية تحقيق تنمية محلية وتسليم الخدمات على نحو يتّسم بالتشارك والشفافية والمساءلة والإنصاف. ويتطلب ذلك تمكين الحكومات المحلية من التعامل مع السلطة والموارد وبناء قدراتها حتى تغدو قادرة على العمل كمؤسسات تشاركية سريعة الاستجابة، ومسئولة عن هموم واحتياجات المواطنين كافة. وفي الوقت عينه، تكون مهتمّة بتعزيز الديمقراطية الشعبية وبتمكين المواطنين والمجتمعات ومنظماتها على غرار المنظمات المجتمعية والمنظمات غير الحكومية، من المشاركة في الحكم المحلي وعملية التنمية المحلية كشركاء متساوين".[3] ويتأسس الحكم المحلي على قاعدة دستورية، لارتباطه بشكل مباشر بالحكم وتوزيع الاختصاصات بين السلطة المركزية وبقية المستويات الإدارية، وهو يتطلب جملة من الشروط أهمها:

- ضرورة تمتع وحدات الحكم المحلي بالاستقلالية، التي تمكنها من ممارسة سلطاتها ورسم السياسات واتخاذ القرارات (فيما يتعلق بالشأن المحلي)، وتنفيذها دون تدخل مباشر من جهات أعلى.

- وجود موارد مالية وبشرية كافية، تمكن وحدة الحكم المحلي من تنفيذ مهامها دون الاعتماد على غيرها.

- انتخاب سلطة محلية تمثل مواطني المجتمع المحلي، وتعمل على إدارة الشؤون المحلية، وتحقيق رغبات وتطلعات المواطنين في توفير الخدمات الضرورية وتحقيق التنمية المحلية.

 الاعتراف بالشخصية القانونية والاستقلالية المالية والإدارية

 أشارت المادة 156 من مشروع الدستور إلى تمتع وحدات الحكم المحلي بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي، مما يجعل من هذه الوحدات كياناً قانونياً مستقلاً عن الدولة في جميع المستويات الإدارية والقانونية والمالية.  وتتعزز استقلالية الجماعات المحلية حسب المادة المشار إليها من خلال تسيير شؤونها وفقاً لمبدأ (التدبير الحر)، والذي يقصد به تولّي الجماعات المحليّة شؤونها بكلّ حريّة في إطار وحدة الدولة وحرية التصرف في الموارد، كما يفترض حرية ممارسة صلاحيات الجماعات المحلية مع ما يقتضيه الواقع المحلي مع الإبقاء على رقابة القضاء على هذه الأعمال.[4] ويلاحظ أن مفهوم التدبير الحر يحمل نفس دلالة مفهوم (استقلالية الجماعات المحلية)، الأمر الذي قد يربك مهمة مفسري الدستور عند سن القوانين ووضع اللوائح المنظمة، ناهيك عن البت في النزاعات التي قد تطرأ بين الجماعات المحلية لاحقاً. إن النتائج المترتبة عن تبني مبدأ الشخصية الاعتبارية المستقلة هو منح الجماعات المحلية القدرة على إدارة شؤونها المحلية باستقلالية، والتصرف في ميزانية خاصة بها منفصلة عن الميزانية العامة للدولة، وهذا أمر من الصعب تحقيقه مع الاعتماد الأساسي للوحدات المحلية على الموارد المركزية كمصدر من مصادر التمويل (المادة 159) كما سوف يتم التوضيح لاحقاً. 

1.1 الاستقلالية الإدارية في مشروع الدستورقسمت المادة (155) من مشروع الدستور الدولة إلى محافظات وبلديات ومستويات إدارية أخرى لم يتم تحديد عددها وتسميتها، إنما تُرك ذلك للمشرع ليقوم بها وفقاً  لمعايير (مقتضيات الأمن الوطني، السكان والجغرافيا، والعوامل الاقتصادية والتاريخية)، مما يعني أن تحديد مستويات إدارية أخرى غير المذكورة في مسودة المشروع   يرجع للسلطات القادمة، مما يخلق الكثير من الإرباك بخصوص توزيع الاختصاصات. فإذ القينا نظرة على (المادة 158) من المشروع والمتعلقة بتحديد اختصاصات وحدات الحكم المحلي، نجد أن هناك ثلاث أنواع من الصلاحيات: صلاحيات ذاتية، وصلاحيات منقولة من السلطة المركزية، وصلاحيات مشتركة معها، وهذا أمر لا يمكن أن يفصل فيه القانون لإنه متعلق بتوزيع اختصاصات وفقاً لمبدأ التفريع، وكون إيلاء اختصاص إنشاء وحدات أخرى إضافية قد تركت للسلطات القادمة، وكذلك عدم تحديد نوعية الصلاحيات التي تباشرها وحدات الإدارة المحلية (من خلال مستوياتها الإدارية المختلفة سواء تلك التي تمارسها بشكل ذاتي، أو تلك التي تتقاسمها مع السلطة المركزية، أو المنقولة لها). مما يطرح علامات استفهام حول ضمان تطبيق مبدأ التفريع بشكل يعزز الدلالة الحقيقية لمفهوم الاستقلالية الإدارية وكذلك المالية طالما النص الدستوري لم يحدد العدد النهائي للمستويات الإدارية لوحدات الإدارة المحلية، وتفريع الاختصاصات فيما بينها.هذا التغافل من شأنه فتح المجال للسلطة القادمة لأن تقلل من الصلاحيات المنقولة أو الذاتية بحجة ضعف الموارد المالية لهذه الجماعات، وإنه ليس للسلطة المركزية وفرة في الموارد التي تسمح لها بتمويلها بالشكل المطلوب، فيبقى الوضع على حاله ولا يتم تحقيق اللامركزية فيضيق مجال التدبير الحرّ.

2.1 الاستقلالية المالية لوحدات الحكم المحلي يستوجب تطبيق الحكم المحلي تخويل الهيئات المحلية المنتخبة بعض مسؤوليات الإنفاق، وبعض صلاحيات تعبئة الإيرادات المحلية لتمويل الأنشطة التي تقوم بها، بما يحقق لهذه الهيئات المحلية الاستقلالية في صنع قرارتها المالية. وتعتبر عملية توفير الموارد المالية وسيلة ضرورية لتمويل النفقات وتوفير الخدمات والاستجابة إلى متطلبات السكان، كما تلعب دوراً اساسياً في تحقيق التنمية المحلية، وتشمل اللامركزية المالية كلا من سلطات الإيرادات والإنفاق، حيث تشير سلطة الإيرادات إلى حصة الضرائب التي تحصل عليها المستويات المحلية إما من الناخبين المحليين أو الحكومة المركزية، بينما تشير سلطة الإنفاق إلى الأموال التي تنفقها المستويات المحلية على المشاريع والخدمات العامة من الموازنات المحلية.تؤثر درجة الاستقلال المالي للوحدات المحلية على حريتها في العمل، ومدى إمكانية مبادرتها بالتخطيط لمشروعات التنمية المحلية، وزيادة حجم الاستثمار، وبالتالي توفير مزيد من فرص العمل للشباب الراغبين والقادرين على العمل في المجتمعات المحلية، ومن ثم رفع مستوى معيشة المواطنين المحليين.[5]ولقد أشار مشروع الدستور في نص المادة (159) إلى أن (للمحافظات والبلديات موارد مركزية تتفق مع القدر اللازم للقيام باختصاصاتها وموارد ذاتية من رسوم وجزاءات وضرائب ذات طابع محلي وعوائد استثماراتها، وما تتلقاه من هبات ووصايا، وما تحصل عليه من قروض وأي عوائد أخرى يحددها القانون. وتضمن الدولة التوازن المالي بين وحدات الحكم المحلي بما يكفل التضامن بينها. وكل اختصاص منقول لوحدات الحكم المحلي من السلطة المركزية يكون مقترناً بما يناسبه من موارد مالية. ولوحدات الحكم المحلي في إطار الميزانية المصادق عليها، حرية التصرف في مواردها حسب قواعد الحوكمة الرشيدة).[6]لعل من نافلة القول حتى وأن امتلكت الحكومات المحلية أو الوحدات الإدارية على المستوى المحلي السلطة القانونية لفرض الضرائب، ومن ثم سوف يتم الاعتماد على تحويلات الحكومة المركزية بشكل كبير. يتطلب التحول نحو اللامركزية المالية، دولة مركزية قادرة على إدارة سياسات الاقتصاد الكلي، وتوافر القدرات والمهارات الفنية والإدارية للمستويات المحلية ووضع قواعد واضحة وجلية، لتحديد مسؤوليات الإنفاق وتخصيص الإيرادات والتحويلات من الحكومة المركزية إلى المستويات دون الوطنية المختلفة بكل شفافية ووضوح، وهذه المتطلبات غير متوافرة في الوقت الحالي مما يؤثر لاحقاً على الوعاء الزمني المطلوب للتحول نحو اللامركزية المالية كشرط من شروط الحكم المحلي.بالإضافة إلى ذلك، هناك المخاوف الناجمة عن عدم تحديد الاختصاصات وتركها للقانون وما يرتبط بها من تقدير للسلطة المركزية للموارد المنقولة وفقاً لاختصاصات الوحدات المحلية، ناهيك عن كون النظام المالي للدولة يعيق الجباية المباشرة للمحليات، حيث يستوجب تحويل الإيرادات المحصلة من هيئات الحكم المحلي إلى الخزانة العامة (المادة 176)، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في النظام المالي وقانونه المنظم.

الانتخاب وتعزيز آليات الديمقراطية التشاركية في عملية صنع القرار

1.2 الانتخابات ركيزة مهمة في تعزيز الحكم المحلي حيث ترتبط بالبعد الديمقراطي والتشاركي الذي يؤمن بدور المواطنين في اختيار أعضاء السلطة المحلية، وكذلك في الانخراط في عملية صنع القرارات ووضع السياسات التنموية.أشار المشرع إلى ذلك من خلال المادة (157)، إلى أن اختيار مجالس المحافظات والبلديات يكون بالانتخاب العام الحر السري المباشر، ويراعى في تشكيل مجلس المحافظة تمثيل البلديات الواقعة في نطاقها وذلك وفقاً لما ينظمه القانون. ضمّن مشروع الدستور من خلال المادة (205) حصة خاصة للنساء بلغت 25% في المجالس البلدية لمدة دورتين انتخابيتين فقط، من باب منح فرص أكبر لمشاركة النساء في الهيئات المحلية. [8]صمت المشرع عن تحديد آلية اختيار رئيس كل من مجلس المحافظة والمجلس البلدي، وتحديد إذ كان الأمر يتم بالاقتراع السري المباشر بين الأعضاء المنتخبين، أم التسمية التلقائية كمحافظ أو عميد البلدية لمن تحصل على أكثر أصوات. هذا الإحجام عن تحديد الآلية التي يتم بها اختيار رئيس المحافظة والمجلس البلدي، من شأنه تعزيز التجــاذب داخــل المجالــس البلديــة باعتبــار أن انتخابهــم لــم يعــد خاضعــاً لإرادة الناخبيــن، وإنمــا لتوافقات قائمــة علـى توازنـات هشـة وتجاذبات إيدلوجية تبـرز مباشـرة بعـد الإعلان عـن النتائـج النهائيـة للانتخابات البلديـة، وتسبب توتــراً كبيــرا ً بيــن أعضاء المجلــس وتوثر علــى اســتقراره، وهذا ما حدث فعلاً عند انتخاب المجلس البلدي ببنغازي 2014-2015. قد يرى البعض أن مثل هذه التفاصيل يجب تضمينها في القانون المنظم، وإن الأمر يستوجب فقط  تعديل النص القانوني بما يفي هذا المطلب، ولكن نرى أنه لا غضاضة في الإشارة إلى ذلك ضمن مواد الدستور سيما وأنه يؤسس لقاعدة ديمقراطية منشودة.ولم يحسم مشروع الدستور كذلك إمكانية وجود مستويين لإدارة المحافظة. الأول رئيس مجلس المحافظة، والثاني منصب المحافظ من عدمها، وإذ كان الأخير يتم بالتعيين ليمثل السلطة التنفيذية، أم يتم الاكتفاء فقط برئيس مجلس المحافظة. وفي هذه الحالة يطرح سؤال حول طبيعة الرابط وآلية التنسيق بين السلطة التنفيذية والمحلية إن وجد؛ فرئيس مجلس المحافظة المنتخب شعبياً لا يمكن أن يعبر عن توجهات السلطة المركزية ويكون مشرف على تنفيذها وهو الخاضع للإرادة الشعبية. ولقد أحال المشرع هذا كله للقانون والسلطة القادمة، وكان بالإمكان الحسم في باب الحكم المحلي، ولا يترك ذلك لأهواء السلطة التشريعية لاحقاً، سيما وأنه يمس بمرتكزات الحكم المحلي.

2.2 تعزيز آليات الديمقراطية التشاركية التي يتم إقرارها على المستوى المحليتعد الديمقراطية التشاركية شكل من أشكال التدبير المشترك للشأن العام، تعمل على إشراك سكان الوحدة المحلية في اتخاذ القرار السياسي عن طريق دعوتهم للقيام بتشاورات مع الهيئات المحلية حول مشاريع أو قرارات عمومية، ويتم ذلك من خلال النقاش العام المفتوح  لتوحيد الرؤى والتصورات بين السلطة المحلية والسكان. وتجدر الإشارة إلى أن توفر المعلومات الكافية لدى المواطنين المشاركين أمراً في غاية الأهمية للمساهمة في النقاش حول طبيعة البرامج المطروحة، وهذا يدخل ضمن شرط الشفافية الذي يتطلب توفير البيانات الدقيقة في وقتها، ما يساعد في صنع القرارات وتوسيع نطاق المشاركة والرقابة والمحاسبة.ولقد أشار مشروع الدستور وفقاً للمادة (163) إلى اعتماد وحدات الحكم المحلي التدابير اللازمة لضمان مساهمة المواطنين ومنظمات المجتمع المدني في إعداد برامج التنمية المحلية، ومتابعة تنفيذها وفق الضوابط التي يحددها القانون. ولكن من الملاحظ أن النص جاء عام، حيث افتقد التأكيد على بعض آليات المشاركة التي تغفل عنها القوانين كالمشاركة في وضع الميزانيات، والالتزامات المناط بالوحدات المحلية القيام بها لتسهيل انخراط المواطنين والمجتمع المدني وكذلك القطاع الخاص الذي لم يشر إليه مشروع الدستور. وبالرغم من إشارة المادة (54) إلى (إلزام الدولة بوضع تدابير الشفافية، والحق في تبادل المعلومات والاطلاع عليها وتعدد مصادرها بما لا يمس الاسرار العسكرية واسرار الأمن العام، ولوازم إدارة العدالة وحرمة الحياة الخاصة اللازمة للشفافية، وما اتفق مع دولة أخرى على اعتباره سرياً مع  حق الحفاظ على سرية المصدر). كان من الأفضل الإشارة إلى ذلك في سياق إلزام الوحدات المحلية بتوفير المعلومات اللازمة لممارسة الديمقراطية التشاركية من قبل سكان الوحدة المحلية وفقاً لمقتضيات الحوكمة، ناهيك عن تحديد الآليات المستخدمة  كالعرائض والالتماسات والحوار و التشاور لضمان حقوق المشاركة للسكان المحليين.الخلاصةيستوجب الحكم على مدى تعزيز مشروع الدستور لمبادئ الحكم المحلي، تحديد  طبيعة الصلاحيات الإدارية التي يتمتع بها صناع القرار على المستويات المحلية والوطنية، ناهيك عن كيفية اختيار مسؤولي المستويات العليا على مستوى السلطة المحلية من حيث التعيين والانتخاب، وأخيراً طبيعة صلاحيات الإنفاق للمستويات المختلفة (الحكومة المركزية، الحكومة المحلية). وبالرغم من الإشارة إلى مبادئ مهمة للحكم المحلي والمتمثلة في التدبير الحر، والمركزية الموسعة، والتفريع، إلا أن الهيئة التأسيسية لم تستطع الوصول إلى توافق نهائي بشأن الكثير من الأبعاد ذات العلاقة بسلطات الحكم المحلي، فقررت إرجاء البت فيها إلى المنتخبين القادمين، مما يعمل على استمرارية الهواجس نفسها بخصوص استدامة الوضع الراهن، سيما وأن تجارب الدول تبين أن عدم تضمين نظام الحكم اللامركزي بتفاصيله المهمة في الدستور، لن تمكن غالبا ً من بناء لامركزية ناجعة[10]،  لإن الأمر حينها سوف يكون رهناً بالتوازنات السياسية وموقفها من الحكم المحلي وتعزيز اللامركزية، ولقد عزز الأمر غياب الإشارة إلى أحكام انتقالية تفصيلية توضح متى يتم سن التشريعات الرئيسية التي تترجم الحكم المحلي إلى واقع، وأيضاً النص على  فرض عقوبات على المجلس القادم إذ لم يتم احترام مواعيد تضمنها الدستور. لإن تجاهل ذلك يعني مرور وقت طويل قبل تطبيق النظام اللامركزي الجديد، ناهيك عن تأخر الشروع في إصلاح بنى الهيئات المحلية لتكون مستعدة للاضطلاع باشتراطات اللامركزية الموسعة والتدبير الحر. 

◥◥◥المراجع 

1. مشروع الدستور، موجود على الرابط التالي: https://hnec.ly/wp-content/uploads/2017/08/1%D9%86%D8%B5-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B3%D8%AA%D9%88%D8%B1.pdf

2. امنينه ،عبير "الإدارة المحلية وتحديات المشاركة: دراسة حالة لواقع المشاركة السياسية في وحدات الادارة المحلية بمدينة بنغازي، 2011-2019،" مجلة بنغازي العلمية ، العدد الأول ، المجلد 33، 2020 ،ص ص  ( 87-95 )

3. امنينه، عبير ، "اللامركزية في ليبيا ومتطلبات الإصلاح : مشروع الدستور أنموذجاً" ، مجلة البحوث الاقتصادية 2020، المجلد 26، ص ص  ( 206-239 )

4. علي، شكري احمد اللامركزية المالية خلال الفترة الانتقالية لمرحلة ما بعد الاتفاق السياسي في الجمهورية اليمينة، بدون بيانات اخرى

5. علي، عيسى ، "التحول نحو اللامركزية المالية في ليبيا"، اللامركزية في ليبيا: مقاربة متعددة التخصصات، مركز دراسات القانون والمجتمع  (119-141 )،

6. المنصوب، طارق ، من السلطة المحلية إلى الحكم المحلي: التحديات والرهانات في ظل دولة الوحدة، 2008 ، موجود على الرابط التالي:https://www.academia.edu/10789867/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%84%D9%8A%D8%A9_%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%85_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%84%D9%8A

7. المؤسسة الديمقراطية والمساعدة الانتخابية، المسودة النهائية للدستور الليبي: دراسة عيانيه، النسخة المنقحة ، موجود على الرابط التالي :

https://constitutionnet.org/sites/default/files/2020-12/Libya%20analysis%20-%20Zaid%20Al-Ali%20%28December%202020%29%20%28Arabic%29.pdf

8. بوابة الجماعات المحلية، "مبدأ التدبير الحر"، موجود على الرابط التالي:

http://glossaire.collectiviteslocales.gov.tn/%D9%85%D8%B5%D8%B7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%B1%D9%83%D8%B2%D9%8A%D8%A9/%D9%85%D8%A8%D8%AF%D8%A3-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AF%D8%A8%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%91             

Dr. Abeir IMNEINA

Professor of Political Science at the Faculty of Economics, University of Benghazi, former chair of the Board of Directors of the Civil Society Commission, and currently director of the Washm Center for Women’s Studies in Libya. 

Previous
Previous

مكانة الاتفاقيات الدولية في القضاء الليبي وبعض مبادئ دولة القانون

Next
Next

ميزان المحاماة: محامون ليبيون مستقلون: "مهنة المحاماة هي مهنة (النجدة).. مهنة نبيلة تستوجب تغليب الواعز الحقوقي