مكانة الاتفاقيات الدولية في القضاء الليبي وبعض مبادئ دولة القانون

✒️حوار مع القاضي عبد الكريم بوزيد

السيد عبد الكريم بوزيد هو قاضي بمحكمة جنوب ببنغازي الابتدائية و هو متحصل على دكتوراه في القانون الدولي العام بكلية الحقوق "جامعة عين شمس"  في مصر

 1- نظريا أي مكانة للاتفاقيات الدولية المصادق عليها من الدولة الليبية كمصدر من مصادر القانون؟  بالنسبة لمكانة الاتفاقيات الدولية في النظام القانوني الليبي فإن المشرع الدستوري أو العادي لم ينص أي منهما على قاعدة عامة تحكم هذه المسألة، وردت بعض النصوص المتفرقة في التشريعات العادية تعطي الأولوية في التطبيق للاتفاقيات الدولية في حالة تعارض النصوص التشريعية معها ولكن في إطار محدود جدا، كما في حالة قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة لتسليم المجرمين، والقانون المدني فيما يتعلق بقواعد تنازع القوانين على سبيل المثال. 

2- كيف ترون تطور فقه قضاء المحكمة العليا الليبية في ما يخص مبد سمو الاتفاقيات الدولية المصادق عليها؟نظرا لعدم وجود نص فإن ذلك منح المجال أمام المحكمة العليا لكي تجتهد في هذه المسألة إلى أن قامت الدائرة الدستورية بإرساء مبدأ مهم أكدت فيه على أن الاتفاقيات الدولية في ليبيا تكون لها مرتبة أعلى من مرتبة القوانين الوطنية بعد التصديق عليها من السلطة المختصة، وهو اتجاه يتوافق مع الرأي السائد في القانون الدولي الذي يرى أن هذا الأخير له مرتبه تعلو مرتبة القوانين الوطنية.  

3- عمليا لإعمال قاعدة سمو الاتفاقيات الدولية المصادق عليها في النزاع القضائي وبالتالي الحكم في المادة المدنية هل يجب أن يتمسك أحد الأطراف بتضارب نص القانون العادي مع الاتفاقية الدولية و تطبيق المبدأ باعتبار ان الإجراءات ادعائية في المادة المدنية ام ان القاعدة تهم النظام العام و يمكن للمحكمة اثارتها من تلقاء نفسها ؟ ماذا عن المادة الجزائية اين تكون الإجراءات استقرائية وهامش اجتهاد المحكمة اوسع خاصة مع وجود عديد النصوص كقانون العقوبات الليبي التي تتعارض رأسا مع تلك الاتفاقيات؟؟بالنسبة لتطبيق مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية سواء في مجال المواد المدنية أو الجنائية، فإنه من واجب القاضي أن يُعمله دون أن يتطلب ذلك تمسك الخصوم به ، إذ إن الاتفاقية الدولية بعد التصديق عليها تصبح قانونا واجب التنفيذ ومهمة القاضي هي تطبيق القانون وليست من مهام الخصوم. ورغم ذلك فإن الخصوم يظل لهم دور في لفت الانتباه لتلك الاتفاقيات.بخصوص التعارض بين المواد الجزائية والاتفاقيات الدولية فإنه تجب التفرقة بين نصوص التجريم وغيرها من النصوص، فبالنسبة لنصوص التجريم فإن الاتفاقيات الدولية تنص على التزام الدول الأطراف بتجريم سلوك معين وبالتالي يتطلب الأمر تدخل السلطة التشريعية لتجريم ذلك السلوك ووضع عقوبة له فلا يكفي مجرد التصديق عليها ومن ثم لا يستطيع القاضي تطبيق الاتفاقية لأن الأمر يتطلب تدخل المشرع أولا.وفي غير ذلك يفترض أن تُطبق الاتفاقيات الدولية دون عوائق مثل الاتفاقية الدولية التي تبيح سلوك جرّمه القانون الجنائي الوطني أو تلك التي تُضيق من نطاق التجريم شرط عدم تعارضها مع النظام العام في ليبيا. 

4- كيف تقيمون نسبة تطبيق المحاكم في ليبيا مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية المصادق عليها؟ واتجاه تطور فقه قضاءها في ذلك المجال؟المحاكم في ليبيا تنقصها الخبرة في المجال الدولي عموما بسبب عدم الاهتمام بهذه الأمور من قبل الجهات المختصة التي تساهم في تكوين القضاة والمحامين وأعضاء النيابة وإيلائها أهمية خاصة،  فنجد الكثير من القضايا بدلاً من تطبيق الاتفاقيات الدولية بشأنها يتم تطبيق القانون الوطني رغم تعارضه مع تلك الاتفاقيات وفي مجالات كثيرة مثال قضايا النقل الجوي الدولي. 

5- ماهي العوائق حسب رايكم التي تحول دون تكريس سليم وعادي لمبدا الاتفاقيات الدولية المصادق عليها هل تتعلق بالثقافة القانونية أي بتكوين المحامين ؟ ام تكوين القضاة؟ ام النزعة المحافظة الغالبة ام إشكاليات أخرى تتفضلون ببيانها؟ العوائق التي تحول دون تكريس مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية متعددة مثال تكوين المشتغلين بالعدالة وعدم الإلمام بذلك ، وعدم اهتمام الجهات المشرفة على شؤون العدالة بإعداد الدورات والندوات الخاصة بذلك ، بالإضافة إلى عدم توزيع الاتفاقيات الدولية التي التزمت بها ليبيا على المحاكم والجهات القضائية عموما.  

6- إ لى أي مدى يمكن توظيف المواد 7 و 31 (في ما يخص مبادئ المحاكمة العادلة) و 35 فقرة أولى :" يستمر العمل بجميع الأحكام المقررة في التشريعات القائمة فيما لا يتعارض مع احكام هذا الإعلان إلى ان يصدر ما يعدلها او يلغيها " من الإعلان الدستوري لسنة 2011 وكذلك قانون العدالة الانتقالية لغاية تجاوز القواعد و المواد القانونية المخالف للاتفاقيات الدولية المصادق عليها وخاصة تلك المتعلقة بحقوق الإنسان ؟نعم المادة 7 من الإعلان الدستوري ألزمت الدولة بصيانة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية كما أن الباب الرابع من الإعلان الدستوري نص في المادة 31 منه وما بعدها على الضمانات القضائية وهي مستمدة من الاتفاقيات الدولية، هذه النصوص الدستورية ذات المصدر الدولي وإن كانت تساعد القضاء الدستوري للحكم بعدم دستورية التشريعات المتعارضة مع أحكامه. إلا أن هذه النصوص وكذلك قانون العدالة الانتقالية بالنسبة للقضاء العادي والإداري فإنها غير كافية بحد ذاتها كسند لاستبعاد التشريعات المخالفة لها.  

7- ان كان الامر ممكنا بالنسبة للقوانين السابقة التي سنتها الأنظمة السابقة في سياقات تاريخية وسياسية لا علاقة لها بالنقلة النوعية المنشودة اثر الثورة الليبية ماذا عن القوانين التي صدرت بعد الإعلان الدستوري والمخالفة له وللاتفاقيات الدولية فهل يمكن لسائر المحاكم تجاوزها اعمالا لمبدأ علوية الاتفاقيات الدولية المصادق عليها ؟ ام يجب تبني نظرية القانون الحاجز او الحاجب أي ان تمتنع محاكم الأصل من الحكم على القانون و لا يبقى الا الالتجاء للطعن من أجل عدم الدستورية؟مبدأ أولوية الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية الذي أكدت عليه المحكمة العليا كما قلنا يقتضي تطبيق الاتفاقيات الدولية في حالة تعارضها مع التشريعات الوطنية سواء كانت تلك القوانين سابقة في الصدور على الاتفاقيات الدولية أم لاحقة لها، ولذلك قررت المحكمة العليا تطبيق اتفاقيات العمل التي صادقت عليها ليبيا والتي تتعارض مع قانون علاقات العمل الذي صدر لاحقا عليها سنة 2010 وبالتالي فإن إعمال هذا المبدأ لا يتطلب اللجوء إلى الطعن بعدم الدستورية.  

8- أي اختلاف في هامش استقلالية القاضي الليبي قبل وبعد سنة 2011 ؟ربما هامش استقلال القضاء لا يختلف كثيرا بعد سنة 2011 عما قبلها، على أنه بعد سنة 2011 بُذلت العديد من المحاولات لاستقلال القضاء، إلا أن الأزمات السياسية المتلاحقة ألقت بظلالها على عمل القضاء بشكل سلبي.  

9- كيف تقيمون الإصلاحات التي عرفها النظام القضائي الليبي منذ سنة 2011 ؟ و أي صعوبات لا تزال تهدد استقلالية القضاء ونجاعته ؟    يمكن القول أنه لم تكن هناك إصلاحات تذكر على النظام القضائي بعد سنة 2011، فيما عدا إعادة تشكيل المجلس الأعلى للقضاء وإبعاد السلطة التنفيذية من تشكيلته (وزير العدل ووكيل وزارة العدل) وإقرار مبدأ انتخاب أعضاء المجلس الأعلى للقضاء.إلا أنه وبحسب آخر تعديل فإن رئاسة المجلس الأعلى للقضاء يتم اختيارها من البرلمان من بين من هم بدرجة رئيس محكمة استئناف، وبذلك فإن يد البرلمان هي الطولي في هذا الشأن مما يعد تدخلا سافرا في الشأن القضائي، فالأمر يتطلب موافقة أعضاء المجلس الأعلى للقضاء الذين تم انتخابهم على من يتولى رئاسة المجلس ولمدة محددة حسب وجهة نظرا وليس كما ورد بالتعديل.  

10- أي إصلاحات ترونها ضرورية للقضاء الليبي هيكليا ووظيفيا ؟القضاء يحتاج إلى إجراء العديد من الإصلاحات تبدأ من تعديل اختصاصات المحاكم بمعايير واضحة تُلاحق التطور الذي يشهده العالم، وبالشكل الذي يقضي على تداول القضايا لسنوات عديدة للنظر في مسألة الاختصاص فقط ، مرورا بإنشاء المحاكم المتخصصة كالمحكمة الدستورية والمحاكم الإدارية ومحاكم الأسرة والمحاكم التجارية مثلاً.وكذلك إعادة هيكلة المجلس الأعلى للقضاء واقتصار اختصاصاته على رسم السياسات العامة، مع إسناد بعض المسائل الهامة كتأديب أعضاء الهيئات القضائية لمجلس تأديب يتم اختيار أعضائه من المستشارين لمدة محددة كل ثلاث سنوات على الأقل. بالإضافة إلى منع نقل القضاة إلى الهيئات القضائية الأخرى كما عليه الوضع الآن، فهو يشكل عزلا للقضاة دون أدنى شك. 

11- أي نصائح يقدمها القاضي عبد الكريم بوزيد للقضاة الشبان او خريجي الجامعات الذين يريدون الالتحاق بالقضاء في ليبيا ؟نصيحتي للقضاة الجدد ولمن يرغب في الالتحاق بالقضاء، هو أن يكون سلاحهم الأقوى هو العلم وزيادة الاطلاع على التطورات الحديثة ، مع التركيز على تخصص معين. والالتحاق ببرامج الدراسات العليا وتطوير قدراتهم بأنفسهم. والعمل بشكل مستقل وعدم التأثر بأي أمور أخرى قد تنال من نزاهتهم وحيادهم. 

Previous
Previous

ليبيا: الحماية الدستورية لحقوق الإنسان في مشروع الدستور الليبي

Next
Next

قراءة في مشروع الدستور الليبي: اللامركزية ومتطلبات الحكم المحلي