الانتخابات الرئاسية في الجزائر وتونس: لا جديد تحت الشمس؟

بقلم مسعود الرمضاني

ناشط و مدافع عن حقوق الإنسان وهو رئيس سابق للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية و للرابطة التونسية لحقوق الإنسان (نائب رئيس)

_

الجزائر وتونس لا تربطهما فقط الحدود، ولا أيضا الماضي النضالي ضد الاستعمار الفرنسي فسياسة البلدين الرسمية في عهد الرئيسين، عبد المجيد تبون وقيس سعيد، تكاد تتطابق إلى حد التماهي، على الصعيدين الإقليمي (الموقف من الصحراء الغربية، التموقع في الصراعات الاقليمية)، وكذلك الوطني، وحتى في المنعرجات السياسية والمواعيد الانتخابية. فعبد المجيد تبون الذي جاء انتخابه بعد الحراك الجزائري، الذي استمر لأشهر وانتهى بتنحي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، فاز في أول  انتخابات  تعددية  في الجزائر سنة  2019. وقيس سعيد ، الذي جاء للسياسة متأخرا ، أي بعد انتفاضة 2011، كان فوزه في نفس السنة (2019) "ثورة" على  منظومة سياسية وحزبية، أهملت قضايا الشعب الأساسية. لكن المراقبين لا يتوقعون مفاجآت في انتخابات 7 سبتمبر 2024 في الجزائر،  ولا في انتخابات 6 اكتوبر في تونس. فكلا الرئيسين عززا نظاما سلطويا في السنوات الاخيرة، وكلاهما يستعمل أجهزة الدولة ومؤسساتها  في حملته الانتخابية، مما يجعل فرص بقية المترشحين ضئيلة، إن لم تكن معدومة. إضافة إلى سجل كليهما في الانتهاكات، والتضييق على حرية الصحافة والرأي والتعبير. فالنظام الجزائري، زاد من التضييق على الفضاء العام وسنّ خلا ربيع 2024، القوانين والتشريعات التي "تخنق ما تبقى من مساحات التعبير السياسي والمدني".[1] أما النظام التونسي، فقد اختار وضع قيادات المعارضة التونسية في السجن، أما بتهم "التآمر على أمن الدولة" أو "الإرهاب"، حيث استفاق المترشحون للانتخابات الرئاسية  في تونس على قضايا مدنية تحرم البعض من الترشح وتحيل آخرين إلى السجن.[2]

انتخابات سابقة لأوانها في الجزائر: استعادة الوضع الطبيعي أم انعكاس لأزمة عميقة؟

يوم 24 مارس 2024، فاجأ الجميع بلاغ رئاسي، صدر أثر اجتماع الرئيس عبد المجيد تبون مع رئيس الوزراء ورئيس أركان الجيش ورئيس المحكمة الدستورية، بإعلان موعد الانتخابات الرئاسية التي ستجرى يوم السابع من سبتمبر 2024 ، أي قبل موعدها بثلاثة أشهر. وإن لم تفصح الرئاسة عن أسباب التقديم، إلا أن وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية قدمت ثلاثة أسباب: يتعلق الأول بما اسمته "استعادة الوضع الطبيعي"، يعني تدارك التأجيل الذي وقع في سنة 2019، وكذلك بحرص الرئيس تبون على "العودة للشعب والتعويل على حكمه ووعيه"، وأما السبب الثالث فيعود إلى "تعزيز وحدة وانسجام الجزائريين"، رئيسا وجيشا ومؤسسات "في  مواجهة التحديات الخارجية". [3] حيث، تواجه الجزائر، حسب الوكالة، تقسيما ضاغطا سيؤثر على مستقبل الأمة في مواجهة القوى الاستعمارية الجديدة.[4]

لم يمنع هذا انتقادات بعض أحزاب المعارضة، التي رأت في التقديم "غموضا وغيابا للشفافية"، لأن الرئاسة تحفظت عن الأسباب والدوافع. ومهما يكن فأن هذا التقديم "يخدم الرئيس تبون للبقاء في السلطة، خصوصا وأن الوضع السياسي في البلاد ليس بأفضل حال".[5]

بعض المحللين ذهبوا إلى أبعد من ذلك، معتبرين أن قرار السلطة المفاجئ  (في تقديم الانتخابات)، "لا يعدو أن يكون  قرارا سياسيا بامتياز وخدعة، والقصد منها إفشال مناورات الخصوم في الداخل والخارج من أجل هدف نهائي، إلا وهو تعزيز السلطة القائمة وترسيخ منظومة الحكم في كليتها، وذلك بعد الخيبات المتتالية على المستوى السياسي،ومنها الفشل في الانضمام إلى مجموعة البريكس، صعوبات في منطقة الساحل الأفريقي وفي العلاقات مع مالي وكذلك مع فرنسا واسبانيا. [6]

قيس سعيد: "الشعب يريد" رئيسا وطنيا

منذ استئثار قيس سعيد بكامل السلطات في 25 جويلية 2021، وإصداره مرسوم 22 سبتمبر 2022 الذي يعلن فيه أن رئيس الجمهورية يتولى التعديلات وكل الإصلاحات الدستورية وسن القوانين. ما انفك السيد قيس سعيد يوضح خطوة بخطوة نيته إعطاء نفسه السلطات المطلقة، عبر تفتيت المؤسسات المستقلة، مثل المجلس الأعلى للقضاء وهيئة مكافحة الفساد وعزل القضاة المتنطعين ورفض قرار المحكمة الإدارية القاضي بإرجاعهم إلى سالف عملهم، واعتبار السلطة القضائية مجرد وظيفة في دستوره الجديد بعد أن كانت سلطة في دستور 2014. وإصدار للمرسوم 54 الذي يخضع بموجبه عشرات الصحفيين والمدونين والمواطنين أحكام سجنية ثقيلة لمجرد نقد السلطة، ووضع قيادات المعارضة في السجن ورفض محاكمتهم، رغم انتهاء المدة القانونية للإيقاف. لقد أصبح واضحا أن قيس سعيد يسعى إلى تصحير الحياة السياسية، كي  يتسنى له تطبيق تصوره في الديمقراطية القاعدية، واستكمال  "مشروعه السياسي" في البناء القاعدي  رغم تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وارتفاع نسب المديونية والتضخم.

وقد لمّح قيس سعيد في عديد المرات أنه هو من يضبط شروط الترشح للانتخابات الرئاسية، ويحدد كذلك ماهية المترشحين وتوجهاتهم وعلاقاتهم، فهم "يجب أن يكونوا وطنيين"، و "لا تربطهم علاقات بالخارج"، وبالتالي يصبح هو الوحيد الذي "يحمل مشروعا وطنيا وشعبيا".

 وبما أن كل المعارضين ليسوا وطنيين في قاموسه "وهم يتآمرون مع قوى خارجية"، وهو ما انفك يكرره منذ 2021، فلا يجب أن يترشحوا.[7]  مهددا كذلك بأن "القضية بالنسبة إليه هي قضية  تحرر وطني"، و "قضية بقاء أو فناء"، مما أوحى لدى المراقبين بأن "ولايته لن تنتهي قريبا"، وأنه لا يرى أي من المنافسين له من الجدارة والوطنية بأن يقف أمامه.[8]

ولم يكتف قيس سعيد بضرب المؤسسات والتضييق على حرية التعبير، بل أنه غيّر قانون الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، التي كانت نُنتخب، منذ انتفاضة 2011، من قبل البرلمان، ذاك البرلمان الذي قرر هو بنفسه غلقه وإعفاء نوابه. فخلال شهر أفريل  2022، صدر قرار رئاسي بالرائد الرسمي، وهي الجريدة الرسمية ، جاء فيه: "يتركب مجلس الهيئة من سبعة أعضاء يتم تعيينهم بأمر رئاسي"، وقد علّق الرئيس السابق للهيئة، الذي كان رافضا لكل الأوامر وبالتالي وقع عزله، بأن "الأمر أصبح واضحا أنها هيئة  انتخابات الرئيس". [9]

انتخابات الجزائر "محسومة مسبقا"؟

 يوم 20 جويلية  2024، وفي غمرة الاستعدادات للانتخابات الرئاسية الجزائرية، أصدرت شخصيات سياسية ومدنية وكذلك محامون وحقوقيون بيانا لافتا، يؤكدون فيه أن نتائج الانتخابات "محسومة سلفا" [10]، وأنها "مهزلة شكلا ومضمونا"، وستستمر المهزلة باستمرار النظام "الذي عزل الجزائر ديبلوماسيا وجيو أمنيا  واختزل سياستها الخارجية وأدوارها الاستراتيجية في أدوار جوفاء، مقدما نفسه والبلاد ضحية لمؤامرات خارجية وتهديدات دائمة" .

اقتصاديا ، لا يواجه الاقتصاد الجزائري أوضاع الاقتصاد التونسي الذي يعاني من ارتفاع نسبة التضخم وغياب النمو وفقدان المواد الأساسية والارتفاع المقلق لحجم المديونية (وصل إلى 80 بالمائة من حجم الناتج الداخلي الخام)، بحكم استفادة الجزائر من ريع البترول والغاز الذي يدعم ميزانية البلاد بحوالي 97 بالمائة من العملة الصعبة. إلا أن غياب التنوع الاقتصادي ومزاج سوق الطاقة العالمي المتقلب والارتفاع في الإنفاق العام وغياب الشفافية، أحيانا، في الأعمال والإدارة، كلها عوامل تتطلب، إلى جانب الحوكمة الرشيدة ، تخطيطا واستباقا للمتغيرات وإصلاحات عميقة للتوجهات الاقتصادية لا يساهم المناخ  السياسي الحالي في تحقيقها.   

الإسلاميون في الجزائر وتونس: منقسمون ومسجونون

تاريخيا، أثبت الإسلاميون في الجزائر وتونس أنهم أشد حركات المعارضة تنظيما وأكثرها نجاعة وقدرة على منافسة الأنظمة القائمة، فقد فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات التشريعية سنة 1991، فوز لم يكن يتوقعه النظام الجزائري ولا قواته المسلحة، مما أدخل البلاد في عشرية عنف دامية، ثم وقع صلح مع السلطة، كان حكم بوتفليقة سخيا في تقديم تنازلات من أجل "ميثاق مصالحة"، مقابل ضمان مساندة الأطياف الإسلامية.

أما اليوم، فتدخل الأحزاب الإسلامية الانتخابات الجزائرية وهي منقسمة بين مساند لترشح عبد المجيد تبون ومعارض له، بل وهناك من يشكك في  سلامة الانتخابات. فحركة البناء الوطني، ثاني أكبر حزب إسلامي، لا يساند فقط عبد المجيد تبون من أجل "استمرارية حماية الثوابت الوطنية"، بل وأيضا تجوب هياكله البلاد من أجل دعم الرئيس. لكن في المقابل، ينافس  عبد العالي حساني الشريف، رئيس حركة السلم الإسلامية رئيس الجزائر، بينما اختارت جبهة العدالة والتنمية عدم الدخول في الانتخابات، لأن مثل هذه المواعيد الديمقراطية لا تنجح إلا "بتوفير الضمانات اللازمة لبناء ديمقراطي حقيقي، وتداول سلمي على السلطة".[11]

وإن انقسم إسلاميو الجزائر لعدة اسباب، منها غياب  القيادات التاريخية الجامعة والمؤثرة  وإغراءات السلطة والعمل السياسي العلني غير المريح لجل الحركات الإسلامية وكذلك الأداء المتواضع خلال حراك 2019، فإن حركة النهضة التونسية قد انهكها أداؤها الهزيل خلال عشرية الحكم وتراجع شعبيتها وتهافت قيادتها. ولم يفعل قيس سعيد ونظامه سوى أنه استكمل مسار الإضعاف بوضع قيادات النهضة في السجن، أما بتهم "الإرهاب" أو "التمويل الأجنبي المشبوه"، وهي تهم يصعب إثباتها في الأوضاع الحالية لغياب عدالة مستقلة، غياب أكده بوضوح وجود قيادات المعارضة السلمية اليوم أما في السجون أو محل ملاحقة، لأسباب سياسية.

مناخ الانتخابات الرئاسية المشحون

إذا ما اسلمنا بأن الانتخابات الشفافة والنزيهة لا تجرى إلا في مناخ ديمقراطي يضمن حياد مؤسسات الدولة ويحترم حرية التعبير واستقلالية المؤسسات، فإن الانتخابات في البلدين تظل بعيدة عن تلك المعايير. إذ شهدت الجزائر أثر حراك 2019 الجماهيري تراجعا كبيرا على مستوى الحريات. حيث واجه الصحفيون المستقلون والمعارضون أحكاما سجنية وملاحقات قضائية وأغلقت مؤسسات إعلامية واجبرت منظمات حقوقية ذات مصداقية على الحل بقرارات قضائية، مثل الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان و"تجمع أعمال الشبيبة -راج" وغيرها من الجمعيات والمنظمات المستقلة، مما ساهم في تصحير الحياة السياسية والحقوقية. لذلك، يتوقع المراقبون أن تفقد الانتخابات عنصر المفاجأة، وتظل المنافسة في الانتخابات الجزائرية  غير متكافئة، مثلما أشار إلى ذلك الأستاذ توفيق بوقاعدة، أستاذ العلوم السياسية في الجامعات الجزائرية، الذي لفت الانتباه إلى العوامل المؤثرة في العزوف عن المشاركة وربما التصويت، ناتجة على اعتبار الجزائريين أن "النتائج محسومة سلفا"، وحتى خطاب المرشحين المنافسين ظل قائما على "فكرة تنشيط الحملة الانتخابية وليس الفوز في الانتخابات". [12]

أما في تونس، عدا بعض الآمال الضعيفة التي تعلق على الجلسة العامة للمحكمة الإدارية التي ستنظر قريبا في الطعون التي قدمها المترشحون الذين اسقطتهم هيئة الانتخابات، فإن المرشحين المنافسين لقيس سعيد اللذين قبلت بهما الهيئة، وهما زهير المغزاوي ، الأمين العام لحركة الشعب (القومية)، حركة كانت من أول المساندين له في إجراءاته منذ 25 جويلية ، والعياشي الزمال، مؤسس "حركة عازمون" أعلنا أنهما يتعرضان لمضايقات مستمرة. الأول المغزاوي، مُنع اجتماعه الإقليمي الذي كان مقررا يوم الأحد 25 جويلية  بسبب "تدخلات أمنية وسياسية "، حسب بيان 24 أوت 2024. والثاني الزمال، لا زال يخضع لملاحقة قضائية بسبب جمع التزكيات.

الواضح أن السيد قيس سعيد، الذي أجرى، أخيرا، تحويرا وزاريا شمل أغلب الوزارات، قبل أسابيع قليلة من موعد الانتخابات، ليس في نيته مغادرة السلطة، وهو عازم  كل العزم على استكمال مشوار خمس سنوات أخرى. لكن هناك معطى جديد، وهي الأخبار التي تروج بإلحاح حول دخوله في خلاف مع المؤسسة العسكرية[13]، وهي المؤسسة التي ساندت إجراءاته يوم 25 جويلية  2021، ووضعت دبابة أمام البرلمان المعزول، فهل يؤشر ذلك على صراع داخل أجهزة الحكم، صراع قد يشي بإمكانية تغييرات  سياسية قادمة؟  

____

[1] - شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية ، 5 جوان 2024، "الفضاء المدني في الجزائر في بداية 2024، تحديات تشريعية وسياسية تصادر الحريات"  

[2] - Human Rights Watch, "Tunisia: Prospective Presidential Candidates Barred, Potential Contenders Excluded, Convicted , Imprisoned" August 20, 2024 

[3] - Algérie Presse Service, Présidentielle anticipée : les raisons d’une annonce, 22 Mars 2024 

-[4] - المصدر السابق،

[5] - انظر موقف حزب التحالف الوطني الجمهوري وتعليق الأستاذ عبد الرزاق صاغور ، استاذ العلوم السياسية ، الجريدة الالكترونية "الحرة" ، "دوافع سياسية ام تقنية ؟ تساؤلات حول قرار الرئاسة الجزائرية الذي فاجأ الكثيرين " 23 مارس 2024

[6] - MEDIAS 24, «  L’Election Présidentielle anticipée en Algérie est le reflet d’une crise profonde » 22 Mars 2024

[7]- اقرأ تصريحه يوم 6 افريل 2024 في مدينة المنستير ، عند إشرافه على موكب إحياء الذكرى 24 لوفاة الزعيم الحبيب بورقيبة ، صحيفة "الدرج" الالكترونية : "الانتخابات الرئاسية في تونس ،قيس سعيد يرفع شعار اما البقاء او الفناء"

[8] - المصدر السابق ،

[9] - دويتشة فيله الالمانية ، "رئيس تونس يعطي لنفسه صلاحية تعيين هيئة الانتخابات ورئيسها ، 22 افريل 2024

 موقع الترا ، "شخصيات سياسية تعترض على الرئاسيات وتدعو لانتقال ديمقراطي تأسيسي ،- [10]

[11] - المصدر السابق 

[12]- أصوات مغاربية " هل يؤثر توقيت الحملة الانتخابية على حجم المشاركة في رئاسيات الجزائر ، 14 أغسطس 2024  

13- Mondafrique, « Les  Tensions gransissantes  entre Kais Saied et l’armée Tunisienne » 21 Aout 2024


 

Next
Next

مرصد عدالة : مقال تحليلي حول القانون رقم 2010/19 بشأن الهجرة "غير الشرعية" في ليبيا