ميزان الدستور: تعطيل الدائرة الدستورية والحق في الوصول إلى العدالة

كفل الإعلان الدستوري الحق في التقاضي لكل إنسان بتنصيصه في المادة الثالثة والثلاثين على أن: "التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة (...)". وردت المادة المذكورة في الباب الرابع المعنون: الضمانات القضائية. ورغم قلة عدد مواده (ثلاث مواد)، فإنه يمثل ركيزة هامة من ركائز دولة القانون: وجود قضاء مستقل ونزيه، إضافة لمبدأ سيادة القانون. والاستقلال الذي أراده واضعو الإعلان الدستوري لا يقف عند استقلال القضاء؛ بوصفه سلطة "الاستقلال المؤسسي"، أي في مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية بحسب الوظائف المنوطة بكل منها، بل يتعدى إلى استقلال القاضي عندما يجلس للحكم؛ وهو ما عبرت عنه المادة 32: "السلطة القضائية مستقلة. وتتولاها المحاكم (...) والقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون والضمير (...)". ولما كان هذا الاستقلال، ولو تحقق على الصعيدين المؤسسي والعضوي، قد لا يكون كافيا بدون تكريس ما سماه المشرع "الضمانات القضائية"، أو -بحسب رأينا- معايير المحاكمة العادلة عموما، فإن المواد 31-32-33 أكدت أيضا:

1. مبدأ الشرعية؛ "لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص. والمتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة عادلة".

2. كفالة حق المتهم في الدفاع. والعبارة قاصرة لأن أي محاكمة -ولو لم تكن جزائية- تقتضي هكذا ضمانة.

3. حق كل مواطن في اللجوء إلى القضاء وفقا للقانون، والعبارة أيضا ليست دقيقة لأن هذا حق لكل إنسان بحسب المادة العاشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ وهو ما حاولت المادة 33 تلافيه بتكريسها هذا الحق للناس كافة، ولكنها عادت لتتحدث عن المواطن "(..) ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي (..)"!

4. مبدأ المشروعية من خلال حظر المحاكم الاستثنائية (مادة 23-2)، وحظر تحصين القرارات من الرقابة القضائية (مادة 33-2).

5. مبدأ الاحتكام إلى القاضي الطبيعي (أو القاضي غير الاستثنائي)، وهو أمر ذو دلالة في ليبيا بالنظر إلى تجربة المحاكم الاستثنائية بعد انقلاب 1969

6. مبدأ تقريب العدالة من طالبيها وسرعة الفصل في القضايا (مادة 33-1). ولا شك أن كفالة الحق في الوصول إلى العدالة لا يقف عند إقرار المبدأ في الوثيقة الحاكمة حاليا (أي الإعلان الدستوري)، بل يتطلب التزام الدولة بصون حقوق الإنسان وحرياته كما وردت في الإعلانات والمواثيق الدولية؛ وهو ما كرسته المادة السابعة من الإعلان ذاته، وهو ما ينسجم مع الأهداف العامة الواردة في ديباجة الإعلان: "تحقيق الديموقراطية والتعددية ودولة المؤسسات ومجتمع المواطنة والعدالة (..) الذي لا مكان فيه للظلم والاستبداد والطغيان (..)".

وعلى الرغم من اكتفاء الإعلان الدستوري بالإشارة إلى القضاء دون أي وصف، فإن المسلم به في مجال التفسير أن المطلق يؤخذ على إطلاقه، وهو ما يعنى أن المشرع حافظ على البنية القضائية باستثناء ما هو استثنائي. هذا التحليل تؤكده المادة 35 التي تنص "يستمر العمل بجميع الأحكام المقررة في التشريعات القائمة، فيما لا يتعارض مع أحكام هذا الإعلان إلى أن يصدر ما يعدلها أو يلغيها (..)". ولما كان النظام القضائي القائم وقت صدور الاعلان -ولايزال- يعطى لكل ذي شأن أن يلجأ إلى المحاكم بما فيها المحكمة العليا (مادة 20 من قانون نظام القضاء رقم 6-2006)، وأن من صور اختصاص المحكمة العليا الفصل في الطعون الدستورية؛ وهو ما يعني حتما أن كفالة الحق في الوصول إلى العدالة يعتمد، أيضا، على ضمان آلية التصدي للمخالفات الدستورية كما نظمها القانون. مما يعني استمرار سريان القانون رقم 6-1982 المعدل في شأن تنظيم المحكمة العليا، الذي كرس الحق في الطعن الدستوري إضافة إلى الطعن بالنقض في أحكام المحاكم الدنيا! غير أن الدائرة الدستورية التي خصها المشرع بالنظر في المسائل الدستورية جمدت بصدور قرار الجمعية العمومية للمحكمة العليا رقم 7-2016 بشأن تعليق عمل الدائرة الدستورية والذي نص: "يؤجل البت في الطعون الدستورية إلى أجل يحدد فيما بعد بقرار من الجمعية العمومية"! هذا التجميد يذكر بسابقة أخرى حدثت في ظل النظام السابق جاءت بعد إعادة الدائرة الدستورية التي ألغاها المشرع سنة 1982، عندما تلكأت الجمعية العمومية، بذلك الوقت أيضا، في إصدار اللائحة الداخلية التي أحال لها القانون رقم 17-1994 بتعديل القانون رقم 6 وإعادة الدائرة الدستورية فيما يتعلق بإجراءات الطعون الدستورية. فكأن التاريخ يعيد نفسه! وهو ما يطرح إشكالية التمييز بين السابقتين (فقرة أولى)، قبل التساؤل عن مدى شرعية ومشروعية تجميد الجمعية لعمل الدائرة المذكورة (فقرة ثانية)، وانعكاسات ذلك على حقوق المتقاضين (فقرة ثالثة).

الفقرة الأولى: التعطيل، رغم اختلاف الإرادة

رغم أن تعطيل عمل الدائرة قد لا يختلف في الظاهر عن الإلغاء الذي شمل الفترة ما بين نفاذ القانون رقم 6-1982 -الذي ألغى الدائرة الدستورية ضمنا- ونفاذ القانون رقم 17-94 بتعديله (أولا)، إلا أن الأهم هو أن الآلية قد تكون مختلفة(ثانيا).

أولا: اختلاف آلية تجميد عمل الدائرة

سلوك الجمعية العمومية للمحكمة العليا ليس مطابقا لسلوك المشرع في شأن وجود الدائرة الدستورية، فهو في البداية -أي في العام 1982- استعمل امتياز السيادة الذي يتمتع به، فألغى الرقابة على دستورية القوانين المنوطة بالدائرة الدستورية، لأن وجودها يقف أمام ما يريد تنفيذه من "إصلاحات" تطال حقوقا كثيرة أهمها؛ الحق في الحرية والحق في التملك وفقا "للأيديولوجية" المعبر عنها وقتئذ في أدبيات القذافي. أما الجمعية العمومية في السابقة الأولى، أي في السنوات ما بين 1993-2004 فعمدت -ربما لمسايرة "للقائد" أو للتقية- إلى الوقوف موقفا سلبيا بالامتناع عن إصدار اللائحة الداخلية التي يتوقف عليها عمل الدائرة الدستورية، والتي أعيدت إلى الحياة بعد ما يقارب العقد ونصف العقد من الغياب. حيث عادت الجمعية العمومية إلى الفعل فأصدرت اللائحة (قرار الجمعية العمومية للمحكمة العليا بجلستها رقم 283-2004، بإقرار اللائحة الداخلية).

لكن الجمعية المشار إليها في سنة 2016 ذهبت مباشرة إلى تعليق عمل الدائرة الدستورية بإصدار القرار رقم 7-2016، والذي علقت به عمل تلك الدائرة. والتعليق يقف عند تجميد عمل المعلق دون أن يلغيه؛ فالدائرة هنا رغم وقف نشاطها تبقى، ولكنها ساكنة دون حياة، وهو ما قد يوهم الأشخاص من غير أصحاب مهنة القانون أن رقابة دستورية القوانين قائمة لأن من يقوم بها موجود! وقد يؤكد هذا الانطباع الاستمرار في قبول الطعون الدستورية إداريا وفقا للإجراءات المقررة؛ أي من خلال صحيفة ببيانات معينة وموقعة من محام مقبول للترافع أمام المحكمة العليا تقدم إلى المسجل المختص من أصل وعدد كاف من الصور (المادتان 12 و13 من اللائحة الداخلية). ولكن ذلك يبقى مجرد آلية بدون روح، لأن سلطة رئيس المحكمة تبقى هي الفيصل، فهو من يأمر بإحالة ملف الطعن بعد إعلان الخصوم وانقضاء مواعيد المذكرات المبينة في المادة 15 من اللائحة، إلى نيابة النقض لإبداء رأيها في الميعاد الذي يحدده. والرئيس هو من يحيل الملف إلى أحد أعضاء الدوائر المجتمعة -التي تختص بنظر الطعون الدستورية- لوضع تقرير يلخص الوقائع والمسائل القانونية محل النزاع، وبعد انتهاء المستشار المقرر من مهمته وإيداع الملف قلم التسجيل المختص، يعرض الملف من جديد عليه ليقوم بتحديد جلسة (المادتان 16 و17 من اللائحة)، أي أن نظر الطعون رهين إرادة رئيس المحكمة فعليا. وهو ما يتأكد لدى مقارنة نتائج الموقوفين.

ثانيا: الإلغاء والتجميد وجهان لعملة واحدة

من عايش مرحلتي الإلغاء والتجميد يجد أنه رغم اختلاف طرق تحقيق الغرض المستهدف، فإن النتيجة واحدة عمليا وهي عدم وجود الرقابة على دستورية القوانين واقعيا. ومما يؤكد ذلك أنه بعد صدور قانون إعادة تنظيم المحكمة العليا (من خلال إصدار القانون رقم 6-1982) مباشرة تم الطعن في قضية تمس الحرية، بتطبيق نص عقابي قبل نشر القانون، وكان جواب المحكمة العليا صادما عندما حكمت بعدم اختصاصها برقابة دستورية القوانين؛ وهو ما قاد الفقه إلى الحديث عن غسل المحكمة يديها من هذه الرقابة، ذلك لأنه رغم إلغاء المشرع لرقابة الإلغاء التي تتطلب وجود نص يجيزها، فإن ذلك لا يمنع القضاء من ممارسة رقابة الامتناع. ووجد المواطن نفسه في وضع مشابه عندما أعاد المشرع الاختصاص برقابة الدستورية إلى المحكمة العليا، لكن الجمعية لم تعدل لائحتها الداخلية لتحدد إجراءات رفع الطعون الدستورية، واستمر الحال على ما كان عليه أكثر من عقد من الزمان تقريبا إلى أن تم إصدار اللائحة عام 2004.

وبصدور قرار تعليق عمل الدائرة الدستورية سنة 2016 عدنا إلى وضع مماثل: عدم فعالية الرقابة على دستورية القوانين رغم تكريسها قانونا، مما يؤكد أن العبرة ليست بالنصوص الواردة في قوانين نشرت في الجريدة الرسمية، بل العبرة بإمكانية تطبيقها وقطف ثمارها. وتأكد ذلك من خلال الواقع الذي نتج عن القرار رقم 7-2016 حيث حرم الأشخاص من حقهم في الطعن بعدم الدستورية رغم أنه متاح نظريا؛ وهو ما دفع البعض لاستعمال آلية الطعن الإداري لحمل الجمعية العمومية على تغيير موقفها؛ أي من خلال رفع الطعن إلى محكمة استئناف طرابلس وموضوعه إلغاء قرار الجمعية العمومية للمحكمة العليا رقم 7-2016. حيث استجابت الدائرة الإدارية الثالثة للطاعن وقضت بإلغاء القرار بتاريخ 24 فبراير 2020 (حكم غير منشور)، أي بعد ما يقارب الأربع سنوات.

غير أن الإلغاء قد لا يكون نهاية تجميد نظام الرقابة على دستورية القوانين على الصعيد العملي، لأن رئيس المحكمة العليا، كما سبقت الإشارة، يملك سبل تأخير عودة عمل الدائرة الدستورية دون أن يخشى الوقوع تحت طائلة إنكار العدالة التي وجدت دعوى المخاصمة للوقاية منها. هكذا يتبين أن الاختلاف بين إلغاء وتجميد عمل الدائرة الدستورية هو مجرد اختلاف في الدرجة، لأن النتيجة من الناحية العملية تكاد تكون واحدة إلى حد يسمح بالقول إنهما وجهان لعملة واحدة، لأن ما يهم طالبي العدالة هو الوصول إلى القضاء وحماية حقوقهم أو مراكزهم القانونية، وقد يحتاجون في دفاعهم إلى استعمال رقابة دستورية القوانين سواء في صورة دفع أو دعوى ترفع مباشرة إلى الدائرة الدستورية (مادة 23 من القانون رقم 6-82 بشأن إعادة تنظيم المحكمة العليا).

فقرة ثانية: مدى شرعية ومشروعية تجميد الدائرة الدستورية من قبل الجمعية

لابد في البداية من إشارة خاطفة إلى أن مقابلة الشرعية  (legalité-legality) بالمشروعية (legitimité-legitimacy) تعني في ذهني أن ما وافق القانون فهو شرعي، بصرف النظر عما إذا كان مطابقا أو لا لما يجب أن يكون، لأن اشتراط هذه الأخيرة هو المشروعية. ولهذا يثار التساؤل عن مدى تطابق قرار تجميد عمل الدائرة الدستورية مع القانون المنظم للمحكمة العليا، وإذا كان كذلك، فهل يعد مشروعا من منظور العدالة أو حقوق الإنسان؟

أولا: شرعية مزعومة

من يطلع على قانون المحكمة العليا رقم 6-82 في شأن اختصاصات الجمعية العمومية التي أصدرت قرار التجميد سيجد أن المادة 51 أعطت الجمعية -التي تتألف من رئيس ومستشاري المحكمة ورئيس نيابة النقض- صلاحية النظر "(..) في المسائل المتعلقة بنظامها وأمورها الداخلية وتوزيع الأعمال بين أعضائها أو بين دوائرها وغير ذلك من الأمور التي تدخل في اختصاصها بمقتضى هذا القانون أو أي قانون آخر(..)". فالجمعية، إذا، لا تملك إلا ما منحه لها المشرع في قانون تنظيم المحكمة أو أي قانون آخر، وهو ما يعنى أنها لا تملك خارج ولايتها المحددة حصر أي سلطة. وبالرجوع إلى القانون رقم 6، نجد أن المادة 51 المشار إليها نصت في فقرتها الرابعة على منح الجمعية -فضلا عما ذكر- الاختصاص بوضع لائحة الإجراءات الخاصة بها، كما أن المادة 55 أسندت إليها صلاحية: "تنظيم سجلات المحكمة وملفاتها وكيفية تقديم المستندات إلى المحكمة وأحوال ردها وكيفية إطلاع الخصوم على المستندات (..)". كما أن الجمعية هي من يختار المستشار الذي يترأس مجلس تأديب موظفي المحكمة (مادة 41)، ولها الاختصاصات المقررة لوزارة الخدمة العامة بالنسبة لموظفي المحكمة (مادة 35)، وهي الجهة التي يحلف أمامها المستشار المعين بالمحكمة اليمين (مادة 8)، كما أن عقد المحكمة العليا جلساتها خارج مدينة طرابلس يكون بقرار من الجمعية العمومية للمحكمة (مادة 4). ثم أضاف القانون رقم 33 لسنة 2012 -المعدل للقانون رقم 6- اختصاصا جديدا لها بشأن تمديد خدمة رئيس ومستشاري المحكمة العليا الذين بلغوا سن التقاعد (65 سنة) إلى سن السبعين بناء على طلب صاحب الشأن، ولها أن تقرر إحالة من ترى عدم قدرته على أداء وظيفته لأي سبب ولو بدون موافقته (مادة 14 معدلة).

مما سبق يظهر أن المشرع لم يمنح الجمعية العمومية للمحكمة العليا صلاحية تجميد عمل المحكمة أو أي من دوائرها، وهو ما أكدته محكمة استئناف طرابلس في حكمها المشار إليه أعلاه -والذي أيد حجج الطاعن- حيث جاء في القرار: "(..) فحق اللجوء إلى القضاء من الحقوق الأساسية التي يجب عدم تأجيلها أو تعطيلها وفقا لما نص عليه الإعلان الدستوري مادة 33 وكذلك كافة المواثيق الدولية (..)". وأضافت المحكمة حجة أخرى وهي أن المحكمة العليا نفسها كرست مبدأ اللجوء إلى القضاء منذ 1957 بمناسبة الطعن الإداري رقم 6-3ق، عندما استلزمت في القرار الإداري أن يكون "مطابقا للدستور والقوانين واللوائح ومبادئ القانون العام كالمساواة والحريات العامة"، وهو أيضا ما قررته الدوائر المجتمعة في الطعن رقم 13 حيث اعتبرت حق الالتجاء إلى القضاء من الحقوق الأساسية. ومن هنا أيدت نعي الطاعن بأن قرار الجمعية العمومية بتعليق عمل الدائرة الدستورية مخالف للإعلان الدستوري، كما أنه يفتقر إلى الغاية السليمة، بحسبان "أن الغاية من القرارات الإدارية هو تحقيق الصالح العام فإذا خرجت الإدارة عن هذه الغاية كان قرارها معيبا(..)"، وبالتالي استخلصت المحكمة: "(..) فتأجيل البت في الطعون الدستورية وفقا للشق المطعون فيه من قرار الجمعية العمومية للمحكمة العليا إلى أجل غير معلوم يعطل تحقيق المصلحة العامة ويقفل باب اللجوء إلى القضاء في المنازعات الدستورية التي يغلب عليها طابع المصلحة العامة، خاصة ما تشهده ليبيا خلال هذه المرحلة من ازدواجية في الجهات التشريعية وكذلك الجهات التنفيذية والمؤسسات الإدارية المختلفة(..)". وانتهت المحكمة إلى تقرير إلغاء القرار المطعون فيه، ليس فقط لأن مناعي الطاعن سديدة وكافية، بل لأن إدارة القضايا التي تمثل المطعون ضده -رئيس المحكمة العليا بصفته- لم تناقش موضوع الطعن بل اكتفت بأن ناقشت مسألة قبوله، وهي مسألة ردتها المحكمة في مرحلة سابقة عند مناقشة طلب وقف تنفيذ القرار. كما أن مذكرة النيابة التي، وفقا للمحكمة، لم تعكس موقفا ثابتا؛ فتارة يتناول الطعن من حيث الشكل والاختصاص، وتارة أخرى يسلم بحكم المحكمة فيما قضى به في الشق المستعجل، وقد انتهى الرأي فيها إلى رفض الطعن مؤسسا ذلك على أن ما يصدر عن المحكمة العليا ليس قرارا إداريا وإنما هو قرار قضائي ملزم للمحاكم الدنيا، وهو رأي غير سديد، حيث تقول المحكمة: "ذلك أن المحكمة العليا وهي تمارس عملها الإداري، من خلال جمعيتها العمومية، فإن قراراتها إما أن تكون تنظيمية متعلقة بتوزيع العمل وتنظيمه بين دوائرها المختلفة وإما أن تكون قرارات إدارية تؤثر في المركز القانوني للغير فتكون قابلة للطعن فيها بالإلغاء(..)"، لتستخلص المحكمة أن رأي النيابة غير سديد لأن قرار الجمعية صدر عنها بصفتها الإدارية وخارج نطاق الوظيفة القضائية ومن ثم يكون قابلا للطعن.

وقراءة الحكم تبين أن المحكمة لم تقف عند إيراد الأسباب الضرورية لمواجهة دفاع الخصوم وتبرير الحل الذي انتهت إليه، بل محاولة إقناع محكمة الرقابة اللاحقة -إن حصل طعن بالنقض- أن ما انتهى إليه الحكم هو تطبيق لقضاء المحكمة العليا نفسها، حيث اعتبرت أنه "(..) وما التذكير بهذه الأحكام إلا لعلو قدر محكمتنا الموقرة ومكانتها المرموقة رغم الحساسية السياسية لتلك الأحكام (..) ما جرأتي واستجابتي لطلب الطاعن بإلغاء قرار الجمعية بتعليق عمل الدائرة هي ثمرة لفقه قضاء المحكمة العليا في المنازعات الدستورية الذي يعد من لبنات البناء في الحياة السياسية على مر الأزمنة".

وعليه، ولما كان منوط الشرعية هو وجود نص يبرر الإجراء أو القرار، فإن غيابه في الفرضية محل البحث يقود إلى القول بأن قرار تجميد عمل الدائرة الدستورية غير شرعي.

ثانيا: غياب المشروعية

وبالنتيجة فهو غير مشروع أيضا، وأيا كان مصدر عدم المشروعية (القانون الطبيعي، أو العدالة، أو حقوق الإنسان)؛ فالتجميد خلق أوضاعا ظالمة كان في مقدور الأشخاص الاعتراض عليها بطريق الدعوى أو الدفع بعدم الدستورية. هل يمكن لظروف المرحلة الانتقالية أن تبرر هكذا قرارا؟ من يتذكر الآثار السلبية للحكم الذي صدر عن الدائرة الدستورية في شأن انتخاب مجلس النواب عام 2014 -والذي انتهت فيه إلى عدم دستورية التعديل السابع للإعلان الدستوري الذي انتخب المجلس على أساسه- قد يجد مبررا للجمعية العمومية في خشية انقسامات جديدة يمكن أن تقود أكثر إلى تصدع الوحدة الوطنية. غير أن تجليات المرحلة الانتقالية وتقلباتها؛ كما عرفتها ليبيا بعد سقوط نظام القذافي، لا يمكنها أن تهدم المبادئ الأساسية التي يقوم عليها النظام القانوني في ليبيا ومنها مبدأ الفصل بين السلطات -رغم ضبابيته منذ صدور الإعلان الدستوري سنة 2011- ومبدأ كفالة الحق في التقاضي ومبدأ المشروعية. ولعل ما يؤكد ذلك ما قررته المحكمة العليا نفسها: "هذا وليس مشروعا، إذن، أن تصدر السلطة التشريعية قانونا أو أن تصدر السلطة التنفيذية مرسوما بقانون تهدر استقلال وحصانات رجال القضاء فيه أو تنقص منها(...)" (طعن دستوري رقم 1-14ق).

وفي مناسبة أخرى أكدت المحكمة العليا -بوصفها محكمة دستورية-: "(..) أن تجريد الحقوق الدستورية المختلفة من الوسيلة الفعالة لحمايتها وهي الالتجاء إلى القضاء طلبا للانتصاف من شأنه أن يجعل النص الدستوري المتعلق بهذه الحريات عبئا لا طائل تحته. مادام في وسع المشرع أن يجرد تلك الحقوق من عنصر الحماية القضائية استنادا لما له من حق في تنظيم التعليم أو تنظيم التقاضي؛ ذلك أن الحقوق الدستورية المنصوص عليها بالذات في الدستور لا يجوز أن تتجاوز سلطة المشرع فيها بتنظيمها إلى إهدارها ومصادرتها(..): (طعن دستوري 1-19). وإذا كان ذلك هو حال المشرع، فإن الجمعية العمومية للمحكمة لا تملك، في جميع الأحوال، أي صلاحية في تجريد الحقوق الدستورية -بما في ذلك حق التقاضي- من الوسيلة المنظمة لحمايتها، سواء تعلق الأمر بالطعن بعدم الدستورية أو بالدفع به من باب أولى. ولا يكفي القول هنا أن الجمعية العمومية المذكورة لم تجرد الحقوق الدستورية من أداة حمايتها، لأنها جمدت استعماله في هذه الظروف الانتقالية التي تشهدها ليبيا بعد الانقسام الذي نتج بعد انتخاب مجلس النواب. فمن جهة، إن الجمعية ليست هي السلطة التشريعية حتى تقيد حقا أصيلا مقررا، فاختصاصاتها تنظيمية ومحددة حصرا. ومن جهة ثانية، إن المشكلة ليست، بالضرورة، في ممارسة الرقابة، بل بقدرة قضاة الدائرة الدستورية على التعامل مع الطعون واختيار الحلول التي تخدم مبدأ الشرعية وعلو الدستور وسيادة القانون وتحافظ على تماسك المجتمع وتصون وحدة الوطن. وأخيرا، إن الجمعية، بموقفها هذا، تخالف المادة 31 من قانون المحكمة العليا التي تنص على إلزامية مبادئ المحكمة العليا للمحاكم وللجهات كافة، وليس من المنطقي أن تعطي الجمعية القدوة غير الحسنة في مجال التعامل مع تلك المبادئ والجهة التي تنضوي تحتها هي حارس الشرعية وسيادة القانون.

فقرة ثالثة: التجميد وحقوق المتقاضين

بالعودة إلى تنظيم عمل دوائر المحكمة العليا -بما في ذلك الدائرة الدستورية-، نجد أن قانون المحكمة العليا المعدل بالقانون رقم (17 لسنة 1994) خص الدائرة الدستورية، والتي تباشرها الدوائر المجتمعة، بالفصل في الطعون التي ترفع من كل ذي مصلحة شخصية مباشرة في أي تشريع يكون مخالفا للدستور، وكذلك النظر في أي مسألة قانونية جوهرية تتعلق بالدستور أو تفسيره تثار في قضية منظورة أمام إحدى المحاكم (مادة 23-أولا وثانيا)، أي أن التجميد طال مهام الدائرة الدستورية كافة (أولا)، وليس من المؤكد أن المحاكم ستعوض عمل تلك الدائرة (ثانيا).

أولا: التجميد والحق في الطعن وفي الدفع بعدم الدستورية

نظام الرقابة على دستورية القوانين في ليبيا تميز، منذ عام 1953، بتكريسه لحق كل من يتأذى -ولو بشكل غير مباشر- من مخالفة التشريع للدستور، في أن يطعن فيه أو يدفع بعدم دستوريته لكي يمنع تطبيقه عليه، بل أن المصلحة وفقا للمحكمة العليا: "تقوم منذ الوهلة الأولى دون انتظار لتطبيقه بالفعل(..)" (طعن دستوري رقم 3-6)، وغني عن البيان أن تجميد عمل الدائرة الدستورية معناه عمليا:

- حرمان الأشخاص من حقهم في الطعن مباشرة بعدم احترام الإعلان الدستوري الذي يشكل مصدر الشرعية حاليا أو المشروعية وفقا للمحكمة العليا. وحتى لو قيل أن في مقدور الأشخاص مباشرة الحق في الطعن وفق الإجراءات المقررة، فإن هذا الطعن سيبقى مجمدا؛ وهو ما سيقود إلى تراكم الطعون ويتسبب في تغذية بطء العدالة الذي يعانى منه نظامنا القضائي. المهم أن سريان القوانين من حيث المبدأ يتعلق على مجرد النشر في الجريدة الرسمية، وستطبق ولو كانت مشوبة بعيب عدم الدستورية، بحسبان أن الأصل هو الصحة إلى أن تحكم الدائرة الدستورية بعدم دستوريتها!

- ولا يقف الأمر عند الحق في الدعوى، لأن التجميد يعطل، أيضا، عمليا، الحق في الدفع: ما من شك في أن المتقاضي الذي يجد نفسه معرضا لتطبيق تشريع عليه (قانون أو لائحة) يمكنه أن يثير ذلك أمام محكمة الموضوع، ولكن ما هي النتيجة؟ تعطيل نظر القضية إذا اعتمدت المحكمة الدفع، فلا هي قادرة على السير فيها، ولا نجدة من الدائرة الدستورية المعطلة. وبالتالي يواجه المتقاضي وضعا يتنافى مع القانون والعدالة في نفس الوقت بتجريده من وسيلة حماية حقوقه، وماذا يعنى الحق دون حماية؟ قد يقال إن هذه الخلاصة السلبية لا تعكس الواقع بالضرورة لأن المحاكم وهي تمارس وظيفتها يمكنها تعويض الخلل.

ثانيا: المحاكم وتقليص آثار التجميد

تجميد عمل الدائرة الدستورية ونتائجه غير المحمودة على حقوق المتقاضين، وفقا لما ذكر أعلاه في الفقرة السابقة، تثير التساؤل عن مدى إمكانية تعويض ذلك بالرجوع إلى المحاكم الدنيا لطلب الحكم باستبعاد النص المخالف للقواعد الدستورية النافذة؟ كما سبقت الإشارة أنه بعد إعادة تنظيم المحكمة العليا سنة 1982 بالقانون رقم 6 وتخلي المحكمة العليا عن رقابة الدستورية بسبب غياب النص الذي يمنحها الاختصاص، انتقدت موقفها ذاك، لأنه من غير الممكن تطبيق نصوص تتعارض مع الدستور أو ما في حكمه تطبيقا لمبدأ تدرج التشريعات. فوظيفة القاضي تملي عليه التحقق من صحة القواعد الواجبة التطبيق، وهو عندما يستبعد القواعد المخالفة، لا يخرق مبدأ الفصل بين السلطات لأن رقابته هنا هي من قبيل رقابة الامتناع التي لا تتطلب وجود نص يقررها. فهل يمكن إعمال هذا التحليل في الواقع الحالي القائم على وجود الاختصاص الحصري للدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، وعدم فاعليته الواقعية بسبب التجميد غير الشرعي وغير المشروع الذي صدر عن الجمعية العمومية للمحكمة؟

يبدو أن الإجابة يجب أن تكون بالنفي، لأن الظروف ليست ذاتها فالمشرع اليوم ليس ضد الرقابة، بل المعارضة جاءت من القضاة المكلفين بحراسة الشرعية وحسن تطبيق القانون. ونظم القانون الوسيلة لحملهم على تغيير موقفهم، وذلك من خلال إجراءات المخاصمة التي نظمها قانون المرافعات: فالقاضي يخاصم في أحوال محددة حصرا في المادة 720 ومن بينها حالة إنكار العدالة أو التأخير في أدائها دون مبرر.

قد يقال إن التجميد الذي قامت به الجمعية يشكل مبررا يحول دون مخاصمة الدوائر المجتمعة المختصة بنظر الطعون والمسائل الدستورية، غير أن هذا القول مردود عليه، لأن مبدأ تدرج التشريعات وكفالة حق التقاضي أولى بالاعتبار. ولعل في تاريخ الرقابة على الدستورية في ليبيا ما يؤكد فعالية هذه الوسيلة -اللجوء إلى التهديد بالمخاصمة-، فبعد إعادة الاختصاص برقابة الدستورية للمحكمة بالقانون رقم 17-1994، وتلكؤ الجمعية العمومية للمحكمة العليا في إصدار اللائحة الداخلية المحال عليها، هدد بعض المحامين رئيس المحكمة باللجوء إلى المخاصمة إذا لم يتم إصدار اللائحة، وهو ما تحقق عام 2004. على أية حال، لجأ أحد المحامين إلى طريق آخر وهو الطعن في قرار التجميد أمام القضاء الإداري، كما سبقت الإشارة، واستجابت دائرة القضاء الإداري بمحكمة استئناف طرابلس للطلب، وألغت القرار المعني؛ وهو مسلك طبيعي، لأن قانون القضاء الإداري رقم 88-1971 أجاز الطعن أمام دوائر القضاء الإداري بمحاكم الاستئناف في القرارات الإدارية النهائية (مادة 2) متى كان أساس الطعن هو عدم الاختصاص أو وجود عيب في الشكل أو مخالفة القوانين واللوائح أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها أو إساءة استعمال السلطة، غير أن هذا الطريق ليس هو الطريق الأقصر ذلك أن حكم الدوائر ليس باتا، بل يجوز الطعن فيه بالنقض أمام الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا، مع ما يتطلبه ذلك من وقت واحتمال أن ينقض، مما يعيدنا إلى المربع الأول.

ولكن الطريق الأول -المخاصمة- وإن كان هو الأنسب والأقصر ربما بالنظر إلى أن الدعوى ترفع مباشرة أمام المحكمة العليا، غير أنه ليس كاملا أيضا؛ فالاختصاص يعود بعد حكم الدائرة المختصة بجواز المخاصمة، للدوائر المجتمعة بالمحكمة العليا (مادة 725 مرافعات).

غير أن استبعاد مساهمة محاكم الموضوع في تعويض دور الدائرة الدستورية لا يعني التقليل من دور آخر لها في رقابة المشروعية خارج المسائل ذات الطابع الدستوري، وهو ما شكل ملاذا استغله أصحاب المصالح المتعارضة، وبشكل خاص القضاء الوقتي (نظام الأوامر على العرائض والدعاوى المستعجلة)، إلى حد عقد المشهد بشكل أكبر وزاد من حدة انقسام المؤسسات المختلفة.

وهكذا يتبين أن المبررات التي تساق عادة لتبرير موقف المحكمة العليا؛ أي صعوبة القيام بمهمة الرقابة الدستورية في ظل الانقسام السياسي وانعدام الأمن وانتشار السلاح الذي استخدم في اقتحام المحكمة العليا بعد انتخاب مجلس النواب، هذه المبررات، وإن قادت إلى تجميد عمل الدائرة الدستورية، إلا أنها، بالمقابل، لم تمنع المحاكم الدنيا من نظر عديد العرائض والدعاوى المتصلة بالمسار الانتقالي أو بمناسبته (كالمناصب السيادية، وإحالة مشروع الدستور، والانتخابات، وغيرها)؛ وهو ما يؤكد أن التفسير الأقرب هو الذي أشار إليه القاضي خليفة عاشور، في أطروحته للدكتوراه المشار إليها سابقا، الذي رأى أن الاعتماد "(..) على المحكمة العليا بهيكليتها القديمة دون إنقاص من مكانتها أو سمو ونزاهة مستشاريها، في تحمل عبء الرقابة الدستورية في المرحلة الانتقالية هو السبب الرئيسي فيما انتهت إليه المحكمة العليا من تعليق لعمل الدائرة الدستورية(..)".

وبتجميد عمل الدائرة، عطلت مهمة الرقابة بالنسبة لمختلف مجالات التقاضي دون تمييز لأن القرار ورد مطلقا: الطعن -أو الدفع- في تشريع يكون مخالفا للدستور (مادة 23 من القانون رقم 6)، وهو ما يحرم المتقاضين من وسيلة دفاع جوهرية، إن صحت، تقلب سير القضية لصالح من تمسك بها.

على سبيل الخاتمة:

إن قرار الجمعية العمومية للمحكمة العليا بتعليق عمل الدائرة الدستورية، جاء نتيجة للاهتزازات الارتدادية للحكم الذي صدر عن الدائرة المذكورة في قضية الطعن رقم (17) لسنة 61ق المتعلق بإجراءات انتخاب مجلس النواب سنة 2014، وحصدت المحكمة ثمرته بصيرورتها جزءا من الصراع السياسي وفتح الباب للتشكيك في أحكامها وفي هيبتها في نظر غالبية الشعب ربما. ولعل الدرس المستفاد هو أن على القضاء أن يحافظ على استقلاله وأن يحرص على الابتعاد عن مواطن الصراع السياسي من خلال التمسك بقيم الحياد والنزاهة وسيادة القانون، أما اختيار الطريق الأسهل وهو تعطيل المؤسسة أو بعض مكوناتها، فهو يحرم الأشخاص من حق أساسي كفله الدستور (الحق في الوصول إلى العدالة)، وهو الجسر المتين لحماية الحقوق والحريات، ودعامة هامة لدولة القانون. فالقاضي، وفقا لعبارة بن عاشور، مطالب بـ"أصالة الرأي والعلم، والسلامة من نفوذ غيره عليه، والعدالة".

واليوم، وبعد إلغاء قرار تجميد الجمعية من محكمة استئناف طرابلس وقرار الجمعية العمومية للمحكمة بتفعيل عمل الدائرة، إلا أن المسألة لم تقفل بشكل نهائي، ذلك لأن إدارة القضايا لم تسلم بالحكم المشار إليه فطعنت فيه بالنقض (طعن رقم 69-68) مؤسسة طعنها على عدم اختصاص المحكمة بحسبان أن قرار الجمعية ليس قرارا إداريا، وإنما هو قرار قضائي لصدوره عن المحكمة العليا. ومهما يكن الأمر فيما يتعلق بسلامة التأسيس، فإن الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا -إن أتيحت لها الفرصة بإحالة القضية إليها من قبل رئيس المحكمة- يمكن أن تجهز على حق الطعن الخاص بالرقابة الدستورية بقبول الطعن ونقض الحكم. ولهذا فإن ما يجب التعويل عليه بشكل أساسي ليس النصوص بل احترامها من الجميع حكاما ومحكومين، مخاطبين، أو مطبقين، وذلك جوهر دولة القانون.

Dr. Koni Ali Abuda

Professor at Faculty of Law, University of Tripoli, holds a PhD in Private Law from
the University of Poitiers in France, and a diploma in advanced studies in development policy and law.
from the same university.

Previous
Previous

ميزان المحاسبة: العدالة الانتقالية والمحاسبة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في ليبيا