الأطر التشريعية والممارسات المعرقلة لحرية التعبير في السودان
الاستاذة نجلاء محمد
محامية وحقوقية سودانية
—
تُعد حرية التعبير وحرية الصحافة من الدعائم الأساسية لأي نظام ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان وقد وُضعت هذه الحقوق في صدارة المواثيق الدولية مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، حيث تمثل حرية التعبير الإطار الذي يُبنى عليه الحوار المجتمعي وتداول المعلومات والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات. ولكن في السودان، ورغم النصوص الدستورية التي تضمن هذه الحقوق، يواجه الأفراد والصحفيون تقييدات كبيرة.
تعتبر قضية حرية الصحافة والمطبوعات من المسائل الحرجة التي طالما شهدت تضييقات قانونية وممارسات تهدف إلى كبح أصوات المعارضين للحكومة، وتأتي هذه القيود غالبًا بذريعة الأمن القومي أو النظام العام. في هذا المقال، سوف نحلل الإطار القانوني الذي يحكم حرية التعبير والصحافة في السودان، ونقارن هذه التشريعات مع المعايير الدولية، ونسلط الضوء على الحالات العملية التي عكست التحديات التي يواجهها الصحفيون والنشطاء في البلاد.
الفصل الأول: الإطار القانوني السوداني لحرية التعبير وحرية الصحافة
منذ استقلال السودان عام 1956، تناوبت على حكم البلاد أنظمة سياسية متنوعة، شملت فترات حكم عسكري ومدني، وجميعها تباينت في مدى احترامها وتطبيقها لحقوق الإنسان. كانت هذه التغيرات السياسية سببًا رئيسيًا في التفاوت في مستوى حرية التعبير بين فترة وأخرى. على سبيل المثال، شهدت فترة حكم الرئيس جعفر النميري (1969-1985) تضييقًا واسعًا على حرية الصحافة والإعلام، حيث تم إغلاق عدد كبير من الصحف وملاحقة الصحفيين. أما في فترة حكم الرئيس عمر البشير (1989-2019)، فقد توسعت الحكومة في استخدام الأجهزة الأمنية لفرض قيود صارمة على حرية التعبير، بما في ذلك سن قوانين وتشريعات تتيح اعتقال المعارضين ومحاكمتهم بتهم مبهمة والإضرار بالأمن القومي أو نشر الأخبار الكاذبة.
اولا: الدستور السوداني وضمان حرية التعبير
عند تناول الإطار القانوني لحرية التعبير وحرية الصحافة لابد من أن نستعرض الدستور السوداني الانتقالي لسنة 2005 والذي صدر إبان اتفاقية السلام الشامل بين حكومة السودان والحركة الشعبية شمال والذي أعطى حق تقرير المصير للجنوبيين وبموجبه أجرى استفتاء شعبي لأبناء الجنوب وتم انفصال الجنوب في العام 2011 وأصبح دولة مستقلة ذات سيادة وهذا الدستور اعتمد في مرجعيته على كل المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي وقع عليها السودان أن تكون جزء لايتجزأ منه
يعتبر دستور السودان الانتقالي لعام 2005 هو الوثيقة القانونية الأساسية التي تضمن حقوق المواطنين وحرياتهم. وثيقة الحقوق* في المادة 39، ينص الدستور على أن "لكل فرد الحق في حرية التعبير دون تدخل". ويشمل هذا الحق حرية البحث عن المعلومات وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة كانت. ومع ذلك، هذه الضمانات ليست كافية في ظل وجود قوانين أخرى تفرض قيودًا تجعل تطبيق هذا الحق مقيدًا للغاية
ثانيا :قانون الصحافة والمطبوعات لعام 2009
يعد قانون الصحافة والمطبوعات لعام 2009 من أبرز القوانين التي تفرض قيودًا على حرية الصحافة في السودان. يمنح هذا القانون السلطات صلاحيات واسعة للتحكم في الإعلام من خلال إصدار التراخيص والموافقة على المطبوعات. ينص القانون أيضًا على فرض عقوبات صارمة على الصحفيين الذين ينشرون مواد قد تعتبر تهديدًا للأمن القومي أو النظام العام.
على سبيل المثال، يفرض القانون عقوبات بالسجن أو الغرامة على الصحفيين الذين يشوهون سمعة الدولة أو يثيرون الكراهية وتستغل السلطات هذا القانون لإغلاق الصحف مثل ما حدث مع صحيفة التيار في عام 2012، والتي تم إغلاقها بعد نشرها مقالات تنتقد الحكومة وسياساتها.
ثالثا :قانون الجرائم المعلوماتية لعام 2018
في السياق القانوني السوداني، تمثل قوانين الجرائم المعلوماتية أداة قانونية تهدف إلى تنظيم استخدام الفضاء الرقمي، لكنها تُنتقد لكونها تقيد حرية التعبير وحرية الصحافة. تُعاقب هذه القوانين على الأنشطة التي يُعتبر أنها تشكل تهديدًا للأمن القومي أو النظام العام، بما في ذلك نشر المعلومات أو الآراء التي تُنتقد الحكومة. بينما يُفترض أن تحمي هذه القوانين المجتمع من التهديدات الرقمية، فإنها تُستخدم أيضًا لإخضاع حرية الصحافة والتعبير، مما يثير قلقًا بشأن مدى توافقها مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان وضمانات حرية التعبير.
قانون الجرائم المعلوماتية لعام 2018 هو أحد الأدوات التشريعية التي تُستخدم لقمع حرية التعبير على الإنترنت. ينص هذا القانون على تجريم نشر أو تبادل المعلومات التي قد تعتبر تهديدًا للأمن القومي، أو التي تحتوي على ما يُعتبر مواد ضارة بالقيم والأخلاق العامة. هذا القانون يُستخدم بشكل متكرر لاستهداف النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتم اتهامهم بنشر معلومات مضللة أو مناوئة للدولة
على سبيل المثال، في البلاغ رقم 120/2020، تم اتهام الناشط الحقوقي محمد إبراهيم بنشر معلومات تعتبر ضارة بالأمن القومي بموجب المادة 23 من قانون الجرائم المعلوماتية. هذا الاتهام جاء نتيجة منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي انتقد فيها سياسات الحكومة الانتقالية.
رابعا : قانون الأمن الوطني لعام 2010
ومن أخطر القوانين المقيدة لحرية التعبير والصحافة هو قانون الأمن الوطني لعام 2010 الذي يمنح الأجهزة الأمنية في السودان صلاحيات واسعة للقيام بعمليات الاعتقال والاحتجاز دون محاكمة لفترات طويلة. يُستخدم هذا القانون بشكل خاص ضد الصحفيين والنشطاء الذين ينتقدون الحكومة أو الجيش. وقد تم توثيق عدة حالات تم فيها استخدام هذا القانون لقمع حرية الصحافة، منها حالة الصحفية أمل هباني التي تم اعتقالها بسبب كتاباتها التي تنتقد السياسات الحكومية. من ضمن الصلاحيات المقيدة على وجه التحديد
اصلاحيات جهاز الأمن والمخابرات الوطني
يخول هذا القانون لجهاز الأمن والمخابرات الوطني صلاحيات واسعة في مجال الرقابة على وسائل الإعلام. يُسمح للجهاز بحجب المعلومات التي يعتبرها تهديدًا للأمن القومي، مما يقيد حرية الصحافة ويمنح السلطات القدرة على السيطرة على تدفق المعلومات.
1. مصادرة المواد الإعلامية والعقوبات
ينص القانون على إمكانية مصادرة المواد الإعلامية التي يُعتقد أنها تشكل خطرًا على الأمن الوطني. يُحدد القانون عقوبات للأفراد الذين ينشرون معلومات تعتبرها السلطات ضارة، مما يشكل تهديدًا لحرية التعبير ويزيد من الرقابة على النشاط الإعلامي.
2. الاحتجاز دون محاكمة
يُجيز القانون لجهاز الأمن والمخابرات الوطني اعتقال الأفراد واحتجازهم دون محاكمة لفترات زمنية ممتدة بناءً على مزاعم تتعلق بالأمن الوطني. هذا الترتيب القانوني يحد من ضمانات الحريات الأساسية، مثل الحق في المحاكمة العادلة.
3. مراقبة الاتصالات والأنشطة الإعلامية
يخول القانون لجهاز الأمن والمخابرات الوطني صلاحيات مراقبة وتنصت على الاتصالات الإلكترونية والأنشطة الإعلامية. هذا الإجراء يعزز الرقابة على وسائل الإعلام والأفراد، مما يقيّد حرية التعبير ويؤثر على الحق في الخصوصية.
خامسا : الأحكام القضائية والتطور الفقهي
حرية التعبير والصحافة في السودان تواجه تحديات قانونية كبيرة، إلا أن بعض الأحكام القضائية المهمة ساهمت في تعزيز هذه الحريات. يتطور الفقه القضائي ببطء لكنه يلعب دورًا رئيسيًا في حماية حقوق الأفراد، رغم وجود عقبات مستمرة تحتاج إلى معالجة قانونية وتشريعية شاملة.
رغم القيود، ساهمت بعض الأحكام القضائية في تطوير الفقه القانوني فيما يتعلق بحرية التعبير والصحافة. مثال على ذلك، قضية صحيفة "التيار" عام 2016، حيث أصدرت المحكمة الدستورية حكمًا بإعادة إصدار الصحيفة بعد أن أوقفتها السلطات لانتقادها سياسات الحكومة. هذا الحكم عُد خطوة مهمة في تعزيز مفهوم حرية الصحافة واستقلالية القضاء عن السلطة التنفيذية.
في واقعة أخرى، قامت المحكمة الدستورية عام 2013 بتقييد صلاحيات جهاز الأمن والمخابرات الوطني في إيقاف الصحف ومصادرتها، معتبرة أن هذه الإجراءات تتعارض مع الحقوق الدستورية للمواطنين في الوصول إلى المعلومات وحرية التعبير.
سادسا :تأثير غياب المحكمة الدستورية على حرية التعبير والصحافة
غياب المحكمة الدستورية في السودان منذ فترة أثّر بشكل كبير على حرية التعبير وحرية الصحافة. المحكمة الدستورية تلعب دورًا حاسمًا في ضمان الحقوق الأساسية للمواطنين، ومنها حرية التعبير والصحافة، وذلك من خلال مراجعة القوانين والقرارات التي قد تتعارض مع الدستور أو تنتهك حقوق الأفراد ومن اثار ذلك
1. غياب الرقابة على دستورية القوانين
بدون المحكمة الدستورية، لا يوجد هيئة قانونية عليا تراقب مدى توافق القوانين المتعلقة بحرية التعبير والصحافة مع الدستور. هذا يعني أن أي قانون أو قرار تنفيذي قد يُصدر لفرض قيود على حرية الإعلام لا يواجه تحديات قانونية من منظور دستوري، مما يزيد من احتمالية إصدار قوانين مقيدة أوممارسات قمعية ضد الصحفيين.
2. ضعف الحماية القانونية للصحفيين
المحكمة الدستورية هي المؤسسة التي تضمن حقوق الأفراد في مواجهة الانتهاكات من قبل الدولة أو الأجهزة الأمنية. في غيابها، يُترك الصحفيون والنشطاء بدون جهة قوية تدافع عنهم ضد الاعتقالات التعسفية، مصادرة الصحف، وإغلاق وسائل الإعلام. وبالتالي، تزداد *المخاطر التي يواجهها الصحفيون*، مما يحد من قدرتهم على أداء مهامهم
3. تعطيل الفقه القضائي وتطوره
المحكمة الدستورية تساهم في تطوير الفقه القضائي، خاصة فيما يتعلق بتفسير الحقوق الدستورية وحمايتها. غيابها يؤدي إلى توقف الاجتهادات القضائية التي يمكن أن توضح وتوسع فهم الحقوق الأساسية، مثل حرية التعبير. وبالتالي، تبقى القيود المفروضة على الصحافة والإعلام قائمة دون تطور في الفهم القانوني الذي يمكن أن يعزز الحريات.
4. تأخير الفصل في النزاعات الدستورية
القضايا التي تتعلق بحرية الصحافة أو التعبير والتي تُرفع عادة إلى المحكمة الدستورية تتوقف أو تتأجل بسبب غيابها، مما يعني أن الانتهاكات قد تستمر دون مراجعة قضائية. هذا الأمر يفاقم مشكلة الرقابة والقيود على الصحافة ويضعف قدرة الصحفيين على تحدي القرارات الحكومية.
5.استمرار السلطات التنفيذية في فرض القيود
بدون وجود جهة قضائية عليا لمحاسبة الحكومة، قد تستمر السلطات التنفيذية والأمنية في فرض قيود على الصحافة والتعبير دون الخوف من العواقب القانونية. في هذه الظروف، تصبح القوانين التي تحد من حرية الصحافة أكثر عرضة للإساءة والتعسف، خاصة في ظل غياب آلية دستورية لضمان الامتثال للمعايير الدستورية.
سادسا: القيود على الصحافة تحت قوانين الطوارئ
قوانين الطوارئ تسمح للحكومة بسن تشريعات استثنائية تقيّد الحقوق المدنية بما فيها حرية التعبير والصحافة. هذه التشريعات تخلق بيئة قانونية مضطربة، حيث تصبح حقوق الأفراد والصحفيين غير مضمونة وتخضع لتقديرات الأجهزة الأمنية، مما يفاقم حالة القمع ويجعل من الصعب على الصحفيين ممارسة مهنتهم بحرية.
قوانين الطوارئ تمنح السلطات صلاحيات شبه مطلقة للتحكم في المعلومات والسيطرة على الإعلام، وهو ما يؤدي إلى تقييد حرية الصحافة بشكل كبير. تشمل هذه القيود:
1. مصادرة الصحف .
يتم حظر أو مصادرة الصحف التي تنتقد الحكومة أو تغطي أخبارًا حساسة تتعلق بالحرب أو السياسات الحكومية.
2.الرقابة المسبقة
تُفرض الرقابة الشديدة على المحتوى الإعلامي، مما يُجبر الصحفيين على تجنب تغطية القضايا المثيرة للجدل أو المخالفة لرؤية الحكوم
3.إغلاق وسائل الإعلام
في حالات الطوارئ، يُغلق العديد من وسائل الإعلام المعارضة أو المستقلة، مما يقلل من تنوع الأصوات الإعلامية ويزيد من التحكم الحكومي في الرواية الرسمية للأحداث
4.الاعتقالات التعسفية
تحت غطاء قوانين الطوارئ والحرب، يتعرض الصحفيون والنشطاء لموجات من الاعتقالات التعسفية. يتم اعتقال الصحفيين لمجرد تغطيتهم للأحداث أو لنشرهم تقارير قد تعتبرها السلطات مهددة للأمن القومي أو مثيرة للاضطرابات. الاعتقالات غالبًا ما تتم بدون محاكمات عادلة، وقد يظل المعتقلون رهن الاحتجاز لفترات طويلة دون توجيه تهم رسمية.
5.الحد من الوصول إلى المعلومات
في ظل النزاعات المسلحة، تصبح المعلومات المتعلقة بالحرب وسير العمليات العسكرية موضوعًا حساسًا للغاية. السلطات تمنع الصحفيين من الوصول إلى مناطق النزاع أو التحدث مع الشهود والضحايا، مما يجعل التقارير الإعلامية تعتمد بشكل كبير على المصادر الحكومية الرسمية، وبالتالي يقلل من مصداقية وتنوع التغطية الإعلامي
6.التحكم في الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي
خلال فترات الطوارئ والصراعات، تلجأ السلطات السودانية والمليشيات المتحاربة معها إلى قطع أو تقييد الإنترنت بشكل متكرر. هذا الأمر يعيق الصحفيين عن الوصول إلى المعلومات والتواصل مع المصادر، كما يمنع المواطنين من التعبير عن آرائهم بحرية عبر منصات التواصل الاجتماعي. قطع الإنترنت يؤدي إلى عزل المجتمع عن الأحداث الجارية ويحد من قدرة الإعلام على نشر الأخبار في الوقت الفعلي.
. 7 تعزيز الدعاية الحكومية
في مثل هذه الأوضاع، تُستخدم وسائل الإعلام الرسمية للدعاية الحكومية وترويج رواياتها حول الحرب وحالة الطوارئ. الإعلام المستقل نادرًا ما يتمكن من التنافس مع هذه الروايات الرسمية، التي غالبًا ما تروج للجيش أو الحكومة كمدافعين عن البلاد ضد التهديدات الخارجية أو الداخلية، بينما تُتهم الأصوات المعارضة بالخيانة أو التآمر.
8.التأثير النفسي والاجتماعي على الصحفيين
البيئة الحالية تشكل خطرًا كبيرًا على الصحفيين الذين يعملون في ظل الحرب وحالة الطوارئ. الخوف من التعرض للاعتقال أو التهديد أو حتى القتل يجعل العديد من الصحفيين يمتنعون عن تغطية الأحداث بجرأة أو الحياد. هذا يؤثر سلبًا على جودة التقارير الإخبارية ويحد من تدفق المعلومات.
9.تأثير الحرب على الوصول إلى العدالة
في ظل الحرب الدائرة، يصعب على الصحفيين أو المواطنين المتضررين من الانتهاكات اللجوء إلي القضاء للدفاع عن حقوقهم. غياب المحكمة الدستورية وتعطيل النظام القضائي يعني أن العدالة تصبح بعيدة المنال، ولا توجد آليات قانونية فعالة لحماية الصحفيين أو محاسبة الجهات التي تنتهك حريتهم.
الفصل الثاني: التشريعات الدولية المقارنة
الاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان يعززان حرية التعبير وحرية الصحافة، مما يضمن حقوق الأفراد في التعبير ونقل المعلومات بحرية.إضافة إلى ضمان حماية الصحفيين وحقوقهم في نشر المعلومات، كما يدعمان أيضًا مواجهة الرقابة والضغوط السياسية، مما يعزز من دور الإعلام في المجتمع الديمقراطي ويدعم حقوق الإنسان الأساسية.بهما، مما يُعزز الحق في التعبير بحرية ويسهم في تحقيق الشفافية والمساءلة، حيث يضمنان حق الأفراد في تبادل الأفكار والمعلومات دون خوف من القمع أو العقوبات، مما يدعم النمو الاجتماعي والسياسي.
وينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)، والذي انضم إليه السودان في 1986، على ضمان حرية التعبير في المادة 19. تنص هذه المادة على أن "لكل فرد الحق في حرية التعبير"، وتشمل هذه الحرية الحق في تلقي ونقل المعلومات والأفكار من دون تدخل. كما يسمح العهد بفرض قيود فقط إذا كانت ضرورية لحماية الأمن القومي أو النظام العام، ولكن هذه القيود يجب أن تكون "ضرورية" و"تناسبية" مع الهدف المراد تحقيقه.
في التشريعات السودانية، تكون القيود على حرية التعبير غير محددة بشكل واضح وغالبًا ما تكون شاملة للغاية. على سبيل المثال، تُستخدم مصطلحات مثل "الأمن القومي" و"النظام العام" بشكل واسع لتبرير القيود دون تقديم مبررات واضحة أو متناسبة، مما يؤدي إلى تقييد الحريات بشكل يتجاوز ما تسمح به المعايير الدولية.
يؤكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 19 على حق كل شخص في حرية التعبير. ويشير الإعلان إلى أن حرية التعبير تشمل الحق في نقل الأفكار والمعلومات بحرية دون اعتبار للحدود. هذا يعني أن القيود التي تفرضها السلطات السودانية، سواء من خلال قوانين الصحافة أو الجرائم المعلوماتية، تتعارض بشكل واضح مع روح الاعلان العالمي.
عند مقارنة التشريعات السودانية بالتشريعات الدولية، يتضح أن المشرع السوداني يسن قوانين تهدف إلى تقييد حرية التعبير بشكل غير مبرر، بينما تؤكد التشريعات الدولية على أن أي قيود يجب أن تكون مبررة وضرورية لتحقيق هدف مشروع مثل حماية الأمن القومي. ولكن في التشريعات السودانية، يتم استخدام مصطلحات غامضة تسمح للسلطات بفرض القيود دون تقديم أدلة على الضرورة أو التناسب.
الفصل الثالث: التطبيقات العملية لتقييد حرية التعبير وحرية الصحافة في السودان
أولا : قضايا حرية الصحافة في السودان
شهد السودان العديد من القضايا التي تُظهر بوضوح كيف يتم تقييد حرية الصحافة والتعبير. نذكر منها: . قضية صحيفة التيار 2012
في هذه القضية، تم إغلاق صحيفة التيار بقرار من السلطات الأمنية بعد نشرها مقالات تنتقد سياسات الحكومة. تم تقديم دعوى ضد رئيس تحرير الصحيفة عثمان ميرغني بموجب قانون الصحافة والمطبوعات، حيث تم اتهامه بنشر أخبار كاذبة وتحريض على الكراهية ضد الدولة.
البلاغ رقم 23/2019 ضد الصحفي أمل هباني: تم توقيف الصحفية أمل هباني في عام 2019 بعد كتاباتها التي انتقدت فيها سياسات الحكومة الانتقالية، حيث تم اتهامها بنشر أخبار مضللة بموجب قانون الجرائم المعلوماتية.
. البلاغ رقم 47/2021 ضد الناشط محمد سليمان: تم توجيه تهم إلى الناشط محمد سليمان بنشر معلومات تضر بالأمن القومي على وسائل التواصل الاجتماعي، وتم استدعاؤه للتحقيق بناءً على منشورات تنتقد سياسات الجيش السوداني.
ثانيا : تقييد حرية التعبير الإلكتروني
مع التطور التكنولوجي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت هذه المنصات ساحة جديدة للتعبير عن الرأي، مما دفع السلطات السودانية إلى اتخاذ تدابير صارمة للتحكم في المحتوى المنشور على الإنترنت. وقد أتاح *قانون الجرائم المعلوماتية لعام 2018* للحكومة القدرة على ملاحقة النشطاء والصحفيين الذين يستخدمون هذه المنصات للتعبير عن آرائهم بحرية، وغالبًا ما يتم تصنيف المعلومات المنشورة بأنها "معلومات مضللة" أو "تهديد للأمن القومي".
على سبيل المثال، شهد السودان قضية شهيرة في عام 2020، حيث تم القبض على الناشط الحقوقي محمد عبد الله بسبب نشره محتوى ينتقد الحكومة الانتقالية على فيسبوك. تم اتهامه بموجب المادة 17 من قانون الجرائم المعلوماتية، حيث اعتبرت السلطات منشوراته تهديدًا للأمن القومي. هذه الحادثة، بالإضافة إلى غيرها من الحالات المماثلة، تظهر كيف أن القوانين المتعلقة بالإنترنت في السودان يمكن أن تُستخدم كأداة فعالة لإسكات الأصوات المعارضة.
ثالثا : حجب وسائل الإعلام وإغلاق الصحف
إغلاق الصحف وحجب وسائل الإعلام يعتبر من الأدوات الشائعة التي تستخدمها السلطات السودانية لتقييد حرية الصحافة. وتعتبر قضية صحيفة التيار التي أغلقتها السلطات في عام 2012 واحدة من الأمثلة البارزة على هذا النوع من الانتهاكات. بعد نشر الصحيفة سلسلة من المقالات تنتقد سياسات الحكومة، قامت السلطات باستخدام قانون الصحافة والمطبوعات لسحب الترخيص وإغلاق الصحيفة. وعلى الرغم من تقديم الصحيفة استئنافًا، إلا أن السلطات رفضت السماح بإعادة فتحها لفترة طويلة، مما أثر بشكل كبير على الصحافة المستقلة في السودان.
ومن الأمثلة الأخرى، في عام 2019، قامت السلطات السودانية بإغلاق صحيفة السوداني الشهيرة التي كانت معروفة بانتقادها للحكومة الانتقالية. ووفقًا لما ورد في البلاغ رقم 45/2019، تم توجيه اتهامات للصحيفة بنشر أخبار كاذبة وتحريض الجمهور ضد الدولة. أدى هذا الإغلاق إلى تراجع مستوى حرية الصحافة في السودان، حيث تم كبح دور الصحافة في التوعية والتثقيف ومراقبة أداء الحكومة.
رابعا : الرقابة المسبقة على المحتوى
الرقابة المسبقة على وسائل الإعلام تعتبر أيضًا إحدى الممارسات القمعية التي تُمارس في السودان ضد حرية الصحافة. في العديد من الحالات، يتم فرض رقابة صارمة على الصحف قبل أن يتم نشر مقالاتها، حيث يتعين على المحررين تقديم المقالات إلى السلطات للموافقة عليها قبل النشر. هذا النظام من الرقابة المسبقة يقلل بشكل كبير من دور الصحافة كسلطة رابعة ويجعلها أداة في يد السلطات الحاكمة.
في أحد الأمثلة الشهيرة، في *قضية صحيفة "الانتباهة" (2020)، تم إجبار الصحيفة على سحب عدد كامل من السوق بسبب مقال انتقد فيه أحد المحررين أداء الحكومة الانتقالية. تم توجيه أوامر إلى رئيس التحرير بعدم نشر المقال، ولكن الصحيفة تمسكت بموقفها مما أدى إلى إغلاقها مؤقتًا وفرض غرامات مالية عليها بموجب **المادة 29 من قانون الصحافة والمطبوعات.
الفصل الرابع: التأثير الحقوقي لتقييد حرية التعبير وحرية الصحافة
أولا : التأثير على حقوق الإنسان
يؤثر تقييد حرية التعبير وحرية الصحافة بشكل مباشر على حالة حقوق الإنسان في السودان. فحرية التعبير تعتبر حقًا أساسيًا يؤثر على مجموعة واسعة من الحقوق الأخرى، مثل حق المشاركة في الشأن العام وحق الوصول إلى المعلومات. في ظل القيود المفروضة على الصحافة في السودان، يتعرض المواطنون للتضليل ولا يمكنهم الوصول إلى معلومات دقيقة وموثوقة حول القضايا الوطنية والدولية.
هذا القمع أدى إلى نشوء مناخ من الخوف، حيث يخشى الصحفيون والنشطاء من التعبير عن آرائهم بحرية. وفي ظل القوانين الصارمة مثل قانون الجرائم المعلوماتية، يتم استهداف الأفراد الذين يحاولون استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن آرائهم السياسية أو الاجتماعية. هذا القمع يؤدي إلى الحد من النقاش العام ويعرقل الجهود الرامية إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي.
ثانيا : التأثير على الصحفيين والإعلاميين
الصحفيون والإعلاميون هم الأكثر تأثرًا بسياسات تقييد حرية التعبير في السودان. نتيجة للتشريعات الصارمة والممارسات القمعية، أصبح من الصعب على الصحفيين أداء عملهم بحرية. تُفرض عليهم ضغوط من السلطات لمنعهم من نشر أخبار تعتبر "حساسة" أو تتعلق بالنقد السياسي للحكومة.
في كثير من الأحيان، يضطر الصحفيون إلى الرقابة الذاتية لتجنب استهدافهم من قبل السلطات أو تعرضهم للاعتقال. هذه البيئة العدائية تجعل الصحافة المستقلة في السودان في حالة ضعف مستمر، حيث تُعتبر الصحافة غير الحزبية التي تحاول تقديم تغطية محايدة معرضة للهجوم من قبل الحكومة أو الأطراف الأخرى.
في حالة الصحفي خالد عويس، تم اعتقاله عام 2019 بعد نشره تقريرًا حول انتهاكات حقوق الإنسان في إحدى المناطق المتنازع عليها في دارفور. تم اتهامه بنشر معلومات كاذبة وتحريض الجمهور بموجب المادة 66 من قانون العقوبات السوداني لسنة 1991 هذه القضية تعتبر مثالاً على كيفية استغلال القوانين لتقييد حرية الصحافة ومعاقبة الصحفيين الذين يحاولون الكشف عن الانتهاكات.
ثالثا : التأثير على الديمقراطية والحكم الرشيد
لا يمكن تحقيق الديمقراطية والحكم الرشيد في أي بلد دون حرية التعبير وحرية الصحافة. في السودان، أدت القيود المفروضة على وسائل الإعلام إلى تآكل المؤسسات الديمقراطية وتراجع الشفافية. يواجه المواطنون صعوبة في الوصول إلى معلومات مستقلة حول أداء الحكومة ومساءلتها عن أي تجاوزات.
كما أن غياب حرية الصحافة يجعل من الصعب على المجتمع المدني تنظيم نفسه والدفاع عن حقوق المواطنين. في ظل هذه القيود، تصبح المعارضة السياسية ضعيفة وغير قادرة على التأثير في السياسات العامة أو مناقشة الخيارات البديلة بفعالية.
الفصل الخامس: مقارنة التشريعات السودانية والدولية
أولا : المعايير الدولية لحرية التعبير
وفقًا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، تتم حماية حرية التعبير من خلال نصوص واضحة في العديد من المواثيق الدولية. فمثلاً، ينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR) في مادته 19 على الحق في حرية التعبير ويضع قيودًا صارمة على التدخل الحكومي في هذا الحق. يُسمح للدول بفرض قيود فقط إذا كانت "ضرورية" و"متناسبة" لحماية الأمن القومي أو النظام العام.
ثانيا : السودان مقابل المعايير الدولية
عند مقارنة التشريعات السودانية بالمعايير الدولية، يتضح أن السودان يفرض قيودًا أكبر على حرية التعبير وحرية الصحافة. بينما ينص القانون الدولي على أن أي تقييد يجب أن يكون مبررًا وضروريًا، تعتمد السلطات السودانية على مصطلحات غامضة وغير محددة مثل "الأمن القومي" و"النظام العام" لتبرير القمع. هذه المصطلحات تسمح للحكومة باتخاذ تدابير شديدة دون تقديم أي مبررات حقيقية، مما يؤدي إلى انتهاك الحقوق المكفولة بموجب القانون الدولي.
على سبيل المثال، في قضية صحيفة "التيار" (2012) ، تم استخدام قانون الصحافة والمطبوعات لإغلاق الصحيفة بدعوى أنها "تهدد الأمن القومي"، دون تقديم أدلة واضحة على هذا التهديد. في المقابل، بموجب المعايير الدولية، كان يجب أن تثبت الحكومة أن إغلاق الصحيفة كان ضروريًا لحماية الأمن القومي، وأنه لا توجد وسيلة أخرى أقل تقييدًا لحماية هذه المصلحة.
الفصل السادس : التقارير الدولية المتعلقة بحرية التعبير وحرية الصحافة في السودان
غالبًا ما تركز على الانتهاكات المستمرة والتحديات التي تواجه الصحفيين والإعلاميين. فيما يلي استعراض لأبرز هذه التقارير من منظمات دولية معروفة:
أولا :تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" (RSF))
منظمة "مراسلون بلا حدود" تضع السودان في مراتب متدنية في مؤشر حرية الصحافة العالمي. في تقاريرها الأخيرة، أفادت المنظمة أن الصحفيين في السودان يواجهون تهديدات بالاعتقال والمضايقة، ومصادرة الصحف، وإغلاق المؤسسات الإعلامية. أشار التقرير إلى أن السلطات السودانية تستخدم بشكل متكرر قانون الصحافة لعام 2009 وقوانين الطوارئ لفرض الرقابة ومنع تغطية الأحداث السياسية والاحتجاجات.
ثانيا :تقرير "هيومن رايتس ووتش" (Human Rights Watch))
تقرير "هيومن رايتس ووتش" لعام 2020 حول السودان أشار إلى أن القيود على حرية التعبير ظلت قائمة رغم التغيرات السياسية بعد الثورة السودانية في 2019. أفادت المنظمة أن الأجهزة الأمنية السودانية، وخاصة جهاز الأمن والمخابرات الوطني، قامت بتعطيل عمل العديد من الصحف والإعلاميين. كما وثقت حالات تعذيب واعتقال تعسفي لصحفيين غطوا الاحتجاجات والاضطرابات السياسية.
ثالثا :تقرير منظمة العفو الدولي (Amnesty International))
في تقارير "منظمة العفو الدولية"، تم توثيق انتهاكات متعددة لحرية التعبير، بما في ذلك استخدام القوة ضد المتظاهرين والصحفيين، وإغلاق الصحف المعارضة. في عام 2019، وثقت المنظمة عدة حالات تعرض فيها الصحفيون للتهديدات بسبب تغطيتهم لأحداث الثورة السودانية والمرحلة الانتقالية التي تلتها.
رابعا : تقرير الأمم المتحدة وبعثة حقوق الإنسان في السودان
الأمم المتحدة عبر بعثاتها المختلفة مثل بعثة حقوق الإنسان، أكدت في تقاريرها على ضرورة تعزيز حرية الصحافة في السودان كجزء من التحول الديمقراطي بعد الثورة. وأشارت إلى أن استمرار الرقابة والقيود على وسائل الإعلام لا يتماشى مع الالتزامات الدولية التي وقعها السودان بموجب **العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. دعت الأمم المتحدة السودان إلى إصلاح القوانين، وخاصة قانون الصحافة، لضمان استقلالية الإعلام وحماية الصحفيين
خامسا :تقرير لجنة حماية الصحفيين (CPJ))
لجنة حماية الصحفيين (CPJ) وثقت حالات اعتقال واحتجاز العديد من الصحفيين في السودان، خاصة خلال فترات الاضطرابات السياسية. في تقريرها لعام 2018، ذكرت اللجنة أن السودان كان من بين أكثر الدول التي تقوم باعتقال الصحفيين، حيث تم توجيه التهم لهم على خلفية تغطيتها لقضايا الفساد والاحتجاجات.
أبرز التحديات التي تطرقت إليها التقرير هي:
- الرقابة المسبقة حيث تقوم السلطات بمراقبة الصحف والإعلام قبل النشر، مما يحد من حرية الصحافة
-الاعتقالات التعسفية استهداف الصحفيين بالإجراءات القانونية القمعية
-قوانين الطوارئ تفعيل قوانين الطوارئ بشكل متكرر لتقييد حرية الصحافة خلال الأزمات
-الانتهاكات الجسدية والنفسية بما في ذلك التعذيب والتهديدات ضد الصحفيين الذين يتناولون مواضيع حساسة
التقارير الدولية تؤكد أن حرية التعبير والصحافة في السودان تواجه تحديات كبيرة رغم التحولات السياسية الأخيرة. تحتاج الحكومة السودانية إلى تبني إصلاحات قانونية حقيقية لحماية هذه الحقوق الأساسية والوفاء بالتزاماتها الدولية.
الفصل السابع :توصيات قانونية وإصلاحات
أولا : تعزيز حرية الصحافة في السودان
يجب على السودان مراجعة القوانين الحالية التي تفرض قيودًا على حرية الصحافة وحرية التعبير. على سبيل المثال، يتعين على السلطات تعديل *قانون الصحافة والمطبوعات* ليكون أكثر توافقًا مع المعايير الدولية. ينبغي أن تتضمن التعديلات حذف أو تعديل المصطلحات الغامضة التي تسمح للسلطات بتفسير القوانين بشكل واسع.
ثانيا : إلغاء قانون الجرائم المعلوماتية
يجب إلغاء أو تعديل *قانون الجرائم المعلوماتية لعام 2018 لضمان حماية حرية التعبير على الإنترنت. يمكن وضع إطار قانوني يتعامل مع الجرائم الإلكترونية دون المساس بحرية التعبير. يجب أن تكون القيود المفروضة على الإنترنت محددة ومتناسبة مع الهدف المشروع، ولا ينبغي استخدامها كذريعة لقمع الآراء السياسية.
ثالثا : تعزيز استقلال القضاء
يتطلب حماية حرية التعبير والصحافة وجود قضاء مستقل قادر على التعامل مع القضايا المتعلقة بهذه الحقوق بموضوعية وشفافية. يعد استقلال القضاء عن التأثيرات السياسية أحد المتطلبات الأساسية لضمان تحقيق العدالة في القضايا المتعلقة بحرية التعبير. للأسف، في العديد من الحالات في السودان، يُلاحظ أن النظام القضائي يتعرض لضغوط من الحكومة، مما يؤثر على نزاهة وموضوعية المحاكمات المتعلقة بحرية الصحافة والتعبير.كما ان تركيز محكمة دستورية ناجعة وناجزة من شانه تعزيز استقلالية القضاء و حمايته لحق التعبير.
رابعا : حماية الصحفيين وضمان سلامتهم
من الضروري وضع إطار قانوني لحماية الصحفيين من التهديدات والمضايقات التي يواجهونها بسبب عملهم. يجب ضمان سلامة الصحفيين وتوفير حماية قانونية لهم تتيح لهم القيام بعملهم بحرية دون الخوف من الاعتقال أو التهديد. يمكن أيضًا وضع آليات لحماية الصحفيين من الانتهاكات الجسدية أو الإلكترونية التي قد يتعرضون لها بسبب تغطيتهم الإعلامية.
خامسا :تعزيز حرية التعبير في الفضاء الإلكتروني
ينبغي للحكومة السودانية تعزيز حرية التعبير في الفضاء الإلكتروني وتطوير سياسات تتفق مع المعايير الدولية. من خلال إلغاء أو تعديل بعض المواد المتشددة في *قانون الجرائم المعلوماتية*، يمكن للسودان تبني سياسات تحترم الحق في حرية التعبير عبر الإنترنت، مع الحفاظ على حماية الأمن الوطني والحقوق الفردية.
سادسا : تعزيز دور المجتمع المدني
يجب تعزيز دور منظمات المجتمع المدني في دعم حرية التعبير والصحافة في السودان. هذه المنظمات يمكن أن تعمل جهات رقابية للتأكد من أن الحكومة تلتزم بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان. بالإضافة إلى ذلك، يجب على المجتمع الدولي دعم جهود منظمات المجتمع المدني في السودان من خلال التدريب والتمويل وزيادة الوعي حول أهمية حرية التعبير.
سابعا : إلغاء العقوبات المشددة على الصحافة
ينبغي تعديل القوانين السودانية التي تفرض عقوبات شديدة على الصحفيين أو وسائل الإعلام، مثل الغرامات الكبيرة أو عقوبات السجن. بدلاً من ذلك، يمكن تعزيز آليات المساءلة الذاتية داخل القطاع الإعلامي نفسه لضمان التزام الصحفيين بأخلاقيات المهنة من دون تدخل حكومي مباشر
خاتمة
تشير الأدلة الواردة في هذا المقال إلى أن السودان، على الرغم من التزامه بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان من خلال تصديقه على بعض المعاهدات الدولية، يعاني من قيود شديدة على حرية التعبير وحرية الصحافة. التشريعات المحلية مثل *قانون الصحافة والمطبوعات لعام 2009 و*قانون الجرائم المعلوماتية لعام 2018* تمنح السلطات صلاحيات واسعة لتقييد هذه الحريات، وغالبًا ما يتم استغلالها لاستهداف الصحفيين والنشطاء.
من خلال مقارنة التشريعات السودانية مع المعايير الدولية، يتضح أن السودان يحتاج إلى إجراء إصلاحات جوهرية لضمان حرية التعبير والصحافة. هذه الإصلاحات تشمل تعديل القوانين، حماية الصحفيين، وتعزيز دور المجتمع المدني. يتطلب الوضع في السودان توازنًا دقيقًا بين حماية الأمن القومي وحقوق الأفراد في التعبير عن آرائهم بحرية، ويجب على السلطات أن تتخذ خطوات جادة لتحقيق هذا التوازن.
1. الدستور السوداني لعام 2005 - نصوص المواد المتعلقة بحرية التعبير والصحافة.
2. قانون الصحافة والمطبوعات لعام 2009 - تحديد القيود والمخالفات الصحفية.
3. قانون الجرائم المعلوماتية لعام 2018 - المواد 17 و23 المتعلقة بنشر المعلومات على الإنترنت.
4. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR) - المادة 19 حول حرية التعبير.
5. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان - المادة 19 المتعلقة بحرية التعبير.
6. قضية صحيفة "التيار" (2012)* - إغلاق الصحيفة بموجب قانون الصحافة والمطبوعات.
7. البلاغ رقم 120/2020 ضد الناشط محمد إبراهيم* - قضية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
8. البلاغ رقم 45/2019 ضد صحيفة "السوداني"* - الاتهامات بنشر أخبار كاذبة.
9.قضية الصحفية أمل هباني (2019)* - توقيفها بموجب قانون الجرائم المعلوماتية.
10. قضية الناشط محمد سليمان (2021)* - استدعائه للتحقيق بناءً على انتقادات الجيش السوداني.
11. تقارير منظمات دولية