حوار حول "الزمن القضائي" والمدد الزمنية في قانون الإجراءات الجنائية الليبي
سعد سعيد
محامي، وباحث أكاديمي عاصر المحاماة في ظل نظام الجماهرية ولازال يشتغل بها إلى الآن.
1. أستاذ، أنتم تمارسون مهنة المحاماة منذ 20 سنة؛ هل هناك فرق بين ما درسته حول المدد الزمنية في قانون الإجراءات الجنائية الليبي المتعلقة بحرمان المتهم من حريته في الحبس الاحتياطي إلى حين صدور حكم قضائي وبين ما عايشته في الميدان؟
من الناحية النظرية، ليس هناك فرق، وعمليا يكمن الفرق في تقدير سلطة التحقيق أو سلطة الحكم لمبررات الحبس الاحتياطي ومدى توفرها من عدمه، فتقرير الحبس الاحتياطي خصوصاً أمام سلطة التحقيق أصبح يتخذ دون مراعاة معايير وجوبه كإجراء احترازي، الأمر الذي جعل منه عقوبة قبل الآوان وللأسف لازال المشرع الليبي يحرم المتهم وإلى الآن من حقه في الطعن على ذلك الإجراء (الحبس الاحتياطي).
2. هل ترون أن الثقافة القانونية السائدة في ليبيا، سواء من القضاة وأعوان إنفاذ القوانين الآخرين أو المحامين، على وعي بمسألة “الزمن القضائي المعقول” كأحد شروط المحاكمة العادلة؟
في الحقيقة، لا يوجد وعي كافي بذلك، والدليل التراكم القضائي الكبير في القضايا وتعطل الفصل فيها وهذه إشكالية يقر بها الجميع. لا توجد إلى الآن حلول عملية لتحقيق محاكمة في وقت معقول. تنبه القضاء المقارن لمثل هذه الإشكالية وابتدع حلول لها، مثل ما يعرف (بالمثول الفوري) أي المحاكم السريعة في بعض القضايا، الأمر الذي خفف من حدة التراكم القضائي، وسرع من الفصل ومكن المتهمين من محاكم عادلة وسريعة.
3. حسب رأيكم وخبرتكم كمحامي متمرس، ما هي أهمية احترام المدد الزمنية في قانون الإجراءات الجنائية و ما هي العواقب إذا لم يتم الامتثال لها؟
لابد أن تكون العدالة ناجزة، ومن ضمن عناصر ذلك أن تتحقق في زمن أو وقت معقول ومناسب لطبيعة وقائع الدعوى التي يمثل بشأنها المتهم للمحاكمة. ومن الناحية التشريعية، لم ينظم قانون الإجراءات الجنائية الليبي وقت لإنجاز المحاكمة، فقد أكتفى بتنظيم بعض المواعيد الأخرى، مثل مدة الحبس الاحتياطي، والمدة التي تفصل بين إعلان المتهم وموعد الجلسة لتمكينه من الاستعداد للمحاكمة، بالإضافة لمواعيد الطعن على الإحكام. هذه هي المواعيد التي نظمها القانون الإجرائي، ولم يتناول زمن المحاكمة وترك تقديره لقضاة الموضوع وحدهم فهم من يقدرونه، وفي حالة الإخلال أو التباطؤ فأن المتهم أو دفاعه لا يملك إلا اللجوء لإدارة التفتيش القضائي بشكوى حول الموضوع.
توجد أسباب كثيرة لعدم احترام المدد الزمنية في قانون الإجراءات الجنائية الليبي أهمها كثرة الدعاوى المعروضة أمام القضاء وتراكمها وهو ما يؤدي إلى بطئ الفصل فيها. أضف إلى ذلك، انعدام الوسائل البديلة للتقاضي، مثل المصالحة أو الوساطة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، لا يوجد حلول تشريعية تحدد زمن أو أجل أقصى للمحاكمة،
4. ما هي الأسباب الرئيسية لعدم احترام المدد الزمنية في قانون الإجراءات الجنائية الليبي؟
توجد أسباب كثيرة ،أهمها كثرة الدعاوى المعروضة أمام القضاء وتراكمها وهو ما يؤدي إلى بطئ الفصل فيها. أضف إلى ذلك، انعدام الوسائل البديلة للتقاضي، مثل المصالحة أو الوساطة هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، لا يوجد حلول تشريعية تحدد زمن أو أجل أقصى للمحاكمة، الأمر في القانون مفتوح ورهين بتقدير قضاة الموضوع، كل تلك الأسباب وغيرها هي من تقف خلف عدم احترام إنجاز محاكمة في وقت معقول ومناسب.
لحالة عدم الاستقرار في ليبيا تأثير كبير على المدد الزمنية والمثال على ذلك محاكمة رموز النظام السابق واستمرارها منذ عام 2011 إلى الآن، حيث نرى تأجيلها لمواعيد طويله بين الجلسة والأخرى أو تأجيلها عدة مرات لعدم جلب المتهمين لمقر المحكمة، وهو أمر غير طبيعي والسبب ورائه هو الوضع الأمني غير المستقر والذي أثر بدوره على محاكمة عادلة وناجزة لأولئك المتهمين.
5. هل تؤثر حالة عدم الاستقرار في ذلك؟
نعم، لها تأثير كبير والمثال على ذلك محاكمة رموز النظام السابق واستمرارها منذ عام 2011 إلى الآن، حيث نرى تأجيلها لمواعيد طويله بين الجلسة والأخرى أو تأجيلها عدة مرات لعدم جلب المتهمين لمقر المحكمة، وهو أمر غير طبيعي والسبب ورائه هو الوضع الأمني غير المستقر والذي أثر بدوره على محاكمة عادلة وناجزة لأولئك المتهمين.
6. كيف يتم تقدير الآجال و الزمن القضائي من طرف الدولة الليبية والهيئات القضائية؟
كما قلنا سابقا، الأمر متروك لتقدير المحكمة، وهي من تقدره ولا ضابط في ذلك إلا ضمير القاضي. وفي أحيان كثيرة، يستهان بتقديره وتضرب المواعيد المتباعدة حتى وأن كان طلب الأجل لا يستحق ذلك، حيثُ أن التأجيل يكون متناسباً مع عدد القضايا التي سوف تنظر لاحقاً، لذلك يوزع القاضي قضاياه وفقاً لعدد معين، وهكذا يتم تقدير الأجل، بشكل يتناسب مع ظروف القاضي وليس بما يتناسب مع طبيعة الإجراء أو العمل المطلوب التأجيل من أجله.
7. ما هو تقريبا الوقت الذي يستغرقه بحث البداية في المعدل؟
الأمر متوقف على طبيعة الوقائع، وما تتطلبه من زمن لإثباتها أو نفيها، مثلاً إذا كانت القضية تتطلب سماع شهود أو إجراء أعمال فنية تحتاج إلى إحالة إلى الخبرة القضائية، فأنها وبكل تأكيد تحتاج لوقت لإنجاز ذلك. ومن المفترض قانوناً أنهُ وبمجرد ما أن تكون الأوراق مهيئة للإحالة فلابد على جهة التحقيق من إجالتها. الأشكال أنهُ وفي قضايا كثيرة يستنزف الوقت ويستمر تمديد حبس المتهمين لإنجاز أي من تلك الإجراءات مثل (انتظار تقارير الخبرة، أو عدم مثول الشهود)، مما يؤدي إلى إطالة زمن الدعوى ويتخذ كمبرر لاستمرار حبس المتهمين احتياطياً.
8. ما هو تقريبا الوقت الذي تستغرقه محاكمة جنائية ابتدائية لشخص موقوف في المعدل؟
لا مواعيد محددة، جرى العرف على تحديد أقرب جلسة لتتم محاكمته، والأمر خاضع لتقدير المحكمة وحجم المعروض أمامها من الدعاوى. وتؤدي هذه السلطة التقديرية إلى الإخلال بحق المتهم بمحاكمة في زمن معقول، إذ قد تطول محاكمته بحجة أن المعروض من الدعاوى أمام المحكمة يفوق قدرتها على الفصل فيها في زمن معقول. وبعد صدور الحكم يحق للمتهم وللنيابة العامة حق الطعن فيه أما بالاستئناف في قضايا الجنح أو بالنقض في الجنايات. والفصل في الدعاوى أمام محاكمة النقض، يأخذ وقت طويل بل ربما يقضي المتهم مدة حكمة المطعون عليه، قبل أن يصدر حكم محكمة النقض بإلغائه، فتنعدم الفائدة منه جزئياً لأن المتهم قد قضى مدة العقوبة بالفعل، وهذا ما يحدث في كثير من الدعاوى.
9. ماذا عن تسبب أحد الأطراف كالدفاع عن المتهم أو المتضرر في إطالة أمد التقاضي؟ هل هناك وسائل قانونية لتفادي ذلك؟
هناك جزء في حالة إذ ما تعمد الدفاع إطالة أمد الدعوى بغيابه مثلاً عن حضور الجلسات، حيثُ يمكن للقاضي فرض غرامة مالية عليه. وتمثل هذه الغرامة الآن قيمة مادية بسيطة، إذ أنها مقررة عند صدور القانون ولم تعدل بما يتناسب مع قيمة تضخم النقود اليوم. كما يملك القاضي وضع حد للمماطلات الأخرى، مثل تكرار طلب الأجل، فيمكن للقاضي أن يضرب أجل محدد وكأجل حتمي وبعده لا يستجاب للدفاع إذ ما طلب التأجيل لنفس السبب.
بخلاف المواعيد التي ذكرناها سابقاً، لا يوجد في القانون الليبي مواعيد أو أجال تتحكم في المحاكمة. والحقيقه أن قانون الإجراءات الجنائية وفي هذا الخصوص، ومن أجل الوصول إلى محاكمة في زمن معقول، يحتاج لتعديل لخلق نوع من الضبط أو المعايير التي تحكم الآجال، ولكي تكون مرجعية في تقدير مدة المحاكمة فترك الأمر لسلطة وضمير القاضي أصبح غير كافي، فهو معيار شخصي قد يتحقق في البعض وقد لا يتحقق في البعض الأخر.
10. هل هناك مدد وآجال تتعارض مع الحق في المحاكمة العادلة؟ هل يمكن ذكر بعض الأمثلة؟
بخلاف المواعيد التي ذكرناها سابقاً، لا يوجد في القانون الليبي مواعيد أو أجال تتحكم في المحاكمة. والحقيقه أن قانون الإجراءات الجنائية وفي هذا الخصوص، ومن أجل الوصول إلى محاكمة في زمن معقول، يحتاج لتعديل لخلق نوع من الضبط أو المعايير التي تحكم الآجال، ولكي تكون مرجعية في تقدير مدة المحاكمة فترك الأمر لسلطة وضمير القاضي أصبح غير كافي، فهو معيار شخصي قد يتحقق في البعض وقد لا يتحقق في البعض الأخر.
11. كيف تقيمون التطبيق القضائي الليبي لقواعد الزمن القضائي في علاقة بالمحرومين من حريتهم أثناء الإجراءات وبالوقت الذي تستغرقه المحاكمة؟
يتخلل التطبيق العملي كثير من الانتهاكات لقواعد الزمن القضائي، مثل قضايا أنصار النظام السابق التي أشرنا إليها سابقاً، والتي لازال الكثير منها متداول أمام القضاء حتى الآن، وكثير غيرها. والأمر سوف يستمر ويزداد سوءً ما لم يتدخل المشرع لضبط ذلك، بالأضافة لضرورة أن يتناول المجلس الأعلى للهيئات القضائية هذه الإشكالية ويحاول إصدار لوائح تنظيمية تساعد في ضبط تقدير الآجال خصوصاً في محاكمة المحبوسين احتياطيا.
12. أي تنقيحات تقترحون لتجاوز تلك الخروقات في النصوص حتى تكون العدالة الليبية ناجزة ومحترمة لمبادئ المحاكمة العادلة لجهة الزمن القضائي؟
يمكن للمشرع تحديد أزمنة كحد أقصى للمحاكمة الجنائية خصوصاً للمحرومين من حريتهم أثناء المحاكمة، ووضع استثناءات معقولة قد تتطلبها بعض الإجراءات، وهذا ليس بالأمر الصعب، وأن الحاجة إليه باتت ماسة أمام ما نشاهده من تراخي في الفصل وإطالة في أمد نظر الدعاوى دون مبرر.