المنظمة الليبية للقضاة: «انعدام الأمن هو التحدي الأكبر الذي يواجه دولة القانون وضمانات حقوق الإنسان في ليبيا»

في إطار سعينا لرصد التحديات التي تواجه الحق في الوصول إلى العدالة في ليبيا، ولتكون مجلة “موازين” مصدرًا منتظمًا وموثوقًا يسد الفجوة المعرفية والقانونية لدى المهتمين في هذا المجال -محليا وإقليميا ودوليا-، نستهل العدد الأول بعقد حوارات ونقاشات مع نخبة من المحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان في ليبيا.

في هذا الحوار نتعرف على واحدة من المنظمات المهمة والفاعلة داخل ليبيا في مجال تعزيز دولة القانون والدفاع عن استقلال القضاء وحياديته، ونشر مبادئ حقوق الإنسان، وهي المنظمة الليبية للقضاة..

مجلة “موازين” تواصلت مع السيد/ عقيلة لقم، عضو اللجنة التسييرية للمنظمة الليبية للقضاة، وطرحت عليه جملة من الاسئلة التي تفضل، مشكورا، بالإجابة عليها…

  • تعريف…

“المنظمة الليبية للقضاة” منظمة مدنية غير حكومية، مستقلة استقلالا تاماً عن أية مرجعية سياسية أو دينية، ولا تمارس أي نشاط سياسي إلا بالقدر الذي لا يشكل انتهاكا لأهدافها الرئيسية.

تعمل المنظمة على تعزيز دولة القانون والدفاع عن استقلال القضاء وحياده ونشر مبادئ حقوق الإنسان.

كانت نشأة المنظمة استجابة طبيعية للتغير الذي شهدته ليبيا بعد 2011 ونتيجة للانفتاح الذي حدث على عمل المجتمع المدني، حيث وافق ذلك رغبة عدد من القضاة وأعضاء النيابة العامة الذين كانوا يسعون إلى تحقيق قضاء مستقل استقلالا كاملا عن باقي السلطات، وتطوير عمل السلطة القضائية بما يتناسب مع المعايير الدولية، فتنادوا، وسعوا إلى تأسيس المنظمة الليبية للقضاة. وتم ذلك في 16 أبريل 2012.

  • محطات…

مثلت مرحلة التأسيس أهم المحطات التي مرت بها المنظمة، فقد كانت الفكرة، في حد ذاتها، أمرا جديدا، إذ لم يسبق إنشاء كيان مستقل بهذه الكيفية للدفاع عن القضاء. وفي الآن ذاته، تزامن تأسيس المنظمة وانطلاق عملها مع جملة من التحديات؛ بينها انتشار السلاح وما شهدته البلاد من نزاعات بين المجموعات المسلحة بمختلف توجهاتها؛ والتي يناصب، بعضها، العداء للقضاء بشكل مباشر؛ ما أثر على سير عمل المنظمة، خاصة بعد تعرض عدد من رجال القضاء والنيابة العامة للإخفاء والإغتيال؛ الأمر الذي انعكس، لا على المنظمة فحسب، بل تجاوزها إلى انعدام الاستقرار لرجال القضاء والنيابة في البلاد ونزوح عدد منهم إلى مناطق متفرقة ومغادرة بعضهم البلاد خوفًا من التهديدات التي يتعرضون لها، إضافة إلى التحدي الأصعب؛ الذي تمثل في تقبل أعضاء المجلس الأعلى للقضاء فكرة المنظمة غير الحكومية.

بعد إنشاء المنظمة، ورغم صعوبة الظروف وتعدد التحديات، فإنها نجحت في خلق مناخ جديد، نسبيا، خصوصا فيما يتعلق ببناء قدرات أفراد القضاء والنيابة وتطويرها؛ فقد تعاونت المنظمة مع بعض المنظمات العربية والإقليمية والدولية ونفذت عدة برامج تدريبية لأعضاء القضاء والنيابة العامة؛ تناولت موضوعات قانونية مختلفة.

غير أن نشاطها بدأ في الانحسار، بشكل ملحوظ، في العام 2015، لأسباب كثيرة منها المراقبة المسلطة على عملها من قبل المجلس الأعلى للقضاء والأجهزة الأمنية والجماعات المسلحة؛ ما أدى إلى تقلص نطاق المشاركة في أنشطتها خوفا على أعضائها.

  • التحديات الأمنية وتأثيرها على سير عمل المحاكم والنيابات…

كان للتحديات الأمنية الدور الأكبر في عرقلة عملية إنفاذ القانون، إذ أدت سيطرة المليشيات والتيارات السياسية على معظم مؤسسات الدولة إلى التأثير على عمل السلطة القضائية وتقليص صلاحيات المحاكم والنيابات؛ الأمر الذي أدى إلى تراجع دور الأجهزة الأمنية الرسمية وحدّ من فاعليتها في مواجهة تنامي وسطوة المجموعات المسلحة، وأضحى العامل الرئيسي في ضعف دور النيابة العامة والقضاء، إذ من المعلوم، بالطبيعة، أن القضاء يظل، في هذه الحال، بدون ذراع قوي منصاع له وقادر على تنفيذ قراراته، وهو ما أفقد القضاء سلطته في مواجهة تنامي تلك المجموعات وقدرتها على السيطرة الفعلية على العديد من المؤسسات الحيوية والرئيسية في الدولة، ولا تستثنى من ذلك السجون ومراكز الاحتجاز.

  • العقبات التي تواجه القضاء في الرقابة على مراكز الاحتجاز…

يبدو وضع أماكن الاحتجاز معقدا جدا، فهناك عدد غير يسير منها يخضع لسيطرة تلك المجموعات العسكرية غير الشرعية؛ ما يجعل الاقتراب من هذه الأماكن أمرا غير متاح للقضاة. وحتى الأجهزة التي تدعي شرعيتها وولاءها للدولة بمقدورها الامتناع، متى أرادت، عن تنفيذ أوامر الإفراج عن المتهمين الذين صدرت بحقهم قرارات إفراج؛ بما فيها القرارات الصادرة عن النائب العام.

إضافة إلى ذلك توجد أماكن احتجاز سرية لا تعلم بها السلطة القضائية ولا تسيطر عليها؛ وهذه حقيقة لا تخفى على أحد، فقد صدرت تصريحات رسمية مختلفة عن السلطات المتعاقبة تؤكد ذلك، ناهيك عن الاستهداف المباشر لمقار المحاكم والنيابات في مناسبات عديدة؛ ما جعل رجال القضاء والنيابة العامة عرضة للخطر في كل وقت. ولم تسلم كافة الأجهزة القضائية ولا المحاماة من هذه المخاطر.

  • دور المنظمة في المرحلة الانتقالية، الانتخابات، العدالة الجنائية، استقلال القضاء؟

واقعيا، لا دور للمنظمة، في الوقت الراهن، لتعدد أطراف النزاع في الدولة، إذ أن تحركها في مثل الوضع الحالي سيدخلها في صراع مع الطرف المسيطر قد يؤدى إلى اغتيال أعضائها أو خطفهم أو معاقبتهم من قبل المجلس الأعلى للقضاء. إلا أن المنظمة لا تزال تعمل على توثيق الانتهاكات التي تقع على السلطات القضائية على مستوى الأفراد والمؤسسات.